تربية الأبناء في عصر الهواتف الذكية

تربية الأبناء في عصر الهواتف الذكية

كيف تستطيع عائلتك أن تعمل موازنة بين وسائل الاعلام الرقمية والحياة الواقعية؟

 

ترجمة : أ. العنود مشعان العنزي، ماجستير ترجمة.

 ...................

يتعرض المقال لمحتوى كتابين صدرا هذا العام 2018م وهما :

(فن وقت الشاشة : كيف تستطيع عائلتك عمل موازنة بين وسائل الإعلام الرقمية والحياة الواقعية).

The Art of Screen Time: How Your Family Can Balance Digital Media and Real Life

للكاتبة : آنيا كامينتيز Anya Kamenetz

وكتاب : (كونوا آباءً، من فضلكم توقفوا عن منع الأرجوحة وابدأوا في منع السناب شات : استراتيجيات لحل المشاكل الحقيقية للآباء).

Be the Parent, Please: Stop Banning Seesaws and Start Banning Snapchat

للكاتبة : نعومي شيفر ريلي Naomi Schaefer Riley

المصدر : صحافة تيمبليتون. مراجعة : مايكل بيتريللي، رئيس معهد توماس ب. فوردهام والمحرر التنفيذي للتعليم التالي.

أوضحت كل المؤشرات تقريباً أن الأطفال الأمريكيين الذين ينتمون للطبقات المتوسطة العليا يتمتعون بميزاتٍ تجعلهم الجيل الأكثر حظاً في تاريخ العالم. فإن معظم أولئك الأطفال تربوا في عائلة مليئة بالحب، وبذلك شوهد انخفاض في سجلات العنف الأسري وإيذاء الأطفال، وكذلك قلة حالات الحمل لدى المراهقات. بالإضافة الى انخفاض كبير في معدل استخدام الكحول والمخدرات. فنحن البشر نشعر فطرياً بالقلق. وأكثر ما يقلق الآباء في الطبقة المتوسطة هو الشاشات الصغيرة التي وصلت لأطفالنا. وكذلك نقلق حيال ما تفعله هذه الأجهزة الذكية من اضطرابات في التركيز لدى الأطفال. وكذلك لا ننسى ألعاب الفيديو العنيفة التي تؤدي بهم ليكونوا قاتلين. بالإضافة إلى المحتويات الإباحية التي تسيء إلى سمعتهم واحترام الذات، وكذلك المواقع غير الهادفة التي ستضر بدراستهم. وهذا ما يسبب لنا القلق مراراً وتكراراً. فالعرض الأول بمثابة رسالة مهدئة : "لا تقلق كثيراً.. فطفلك سيكون بخير" بينما العرض الثاني : "يزيد من مخاطر هذه الأجهزة".

كأب لطفلين في سن الدراسة وأنا أعتبر نفسي أباً متساهلاً فيما يخص الشاشات الذكية، فلقد استمتعت أكثر من السابق، فما زلت لم أقدم أي مساعدة، نعم أنا أشعر بالقلق وما زلت أخدع نفسي. فيما يخص كتاب (فن وقت الشاشة) فلديه كل ما يؤهله ليكون أفضل الكتب مبيعاً، والذي ألفته آنيا كامينتيز التي تعمل كمراسلة تقنية في الإذاعة الوطنية العامة، والتي حصلت على وثائق اعتماد للمشروع. فلكونها أماً لطفلتين هو ما يعزز مصداقيتها. والكتاب كُتِب بشكل جيد وسهل التسلسل ومتوازن بشكل كبير، ويمر القارئ من خلاله بالعديد من البحوث حول استخدام هذه الشاشات من قبل الأطفال والتي طرحت بشكل جميل وتقني دقيق. لكن يُعد البحث للأسف محدوداً أكثر مما يأمله أي شخص. فأغلبه (ترابطي) أكثر من كونه (سببي). فالجزء الأكبر منه مستمد من عصر التلفاز مع القليل جداً من الأجهزة الذكية واللوحية رغم أنها التي تحكم حياتنا هذا العصر. ومع ذلك، ومن وجهة نظر كامينتيز، تنشر معظم الدراسات عمَّا يسميه البعض في هذا المجال "نظرية الهندباء في مقابل زهرة الأوركيد".

وتعني هذه النظرية باختصار أن الأطفال أقوياء ومرنين مثل نبات الهندباء. ومن هذا المنطق نستنتج أنه من الممكن أن يقضوا أوقاتاً كثيرة أمام تلك الشاشات بدون أي تعب. لكن في الواقع، إن مشاهدة التلفاز بشكل سلبي لساعات متواصلة يرتبط بالسمنة بالتأكيد، لأن البقاء ساعات طويلة يزيد من تناول الوجبات الخفيفة. وكذلك من يرغب في النوم الجيد يجب عليه الابتعاد عن هذه الشاشات قبل وقت النوم. تقول كامينتيز :

إن آباء نبتة الهندباء المتوترين لا ينبغي عليهم الشعور بالذنب لإعطائهم أولادهم هذه الشاشات الصغيرة. بينما هناك مجموعة قليلة من الأطفال رقيقين وقابلين للكسر مثل زهرة الأوركيد ويواجهون مخاطر حقيقية من الاستخدام المفرط لتلك الشاشات، بما فيها الألعاب التي تحتويها تلك الشاشات. وكذلك الإدمان الحقيقي للإنترنت المدمر لبعض الأطفال وأسرهم. وفي حين المحتوى العنيف بحد ذاته لا يؤدي عادة إلى العدوانية، فبعض الأطفال يصابون بالخوف والقلق، بالإضافة إلى قلة الإحساس تجاه معاناة الآخرين. وكذلك هناك تشبيه آخر ألا وهو " الطعام ".

قامت ميشيل بولان بتقديم نصيحة : " استمتع بمشاهدة تلك الشاشات لكن ليس كثيراً، ولابد من مشاركة الآخرين ذلك" فالتركيز على الترفيه والفرح هو إحساس بالانتعاش والإيجابية بالنسبة للقلق الذي سيطر على أغلب النقاش السابق. نعود إلى ذلك التشبيه الذي قُدِم في السطور الماضية ألا وهو "الطعام والرجيم الصحي" فلدينا بعض الأفكار عن كيف يبدو الاستهلاك المفرط، وما هي المكونات السّامة، وكذلك أعراض الحساسية الخطرة من بعض الأطعمة. لكن كيف نربط بين بعض الأطعمة المضرّة ووسائل الإعلام؟ ما هو التكافؤ بين هاذين المثالين ؟ وماذا عن عشاء العائلة المعّد من الخضراوات الطبيعية ؟ وكذلك الشواء في الفناء الخارجي ؟ وكما ذكرت في هذه الصفحات عما تحويه تلك الشاشات من محتوى تعليمي عظيم متاح للأسرة اليوم. فإن الانخراط في مثل هذا النوع من الوجبات الغذائية اللذيذة مفيداً في تعليم الأطفال وكذلك حب التواصل الأسري، فشكراً لكامينتيز لقولها ذلك. كما كان جيداً بالنسبة لي فصلها عن الآباء والشاشات. ففي الوقت الذي نقلق فيه بخصوص الأطفال الذين يحدقون بالهواتف الذكية أو العاب الفيديو. فماذا عن استخدام الشاشة الخاص بنا ؟

الكاتبة تذكرنا بأن نكون قدوات جيدة ولابد من الابتعاد عنها في أوقات العائلة. كما أنها تلاحظ كلاً من إيجابيات وسلبيات تربية الأبناء في عصر الهواتف الذكية. ومن الممكن الحصول على مشورة ودعم من "مدونات الأمهات" وما شابة ذلك، ولكن هناك شعور آخر بأنه يمكن الحكم على التربية من جهة عائلتنا وأصدقائنا على الفيس بوك. كتاب (فن وقت الشاشة) ليس مثالياً فهو يمثل للشحص تجربة كامينتيز الخاصة بها حتى الآن مع طفلتيها، فالأمر يختلف مع البالغين والمراهقين عن الأطفال الرضع والصغار. فهي حاولت تغطية معظم الموضوعات الكبيرة مع أجزاء مفيدة وبشكل خاص حول المحتويات الجنسية والاباحية. ولكنها تترك أحد أكبر الأسئلة التي يواجها الآباء وهو : متى تعطي طفلاً الهاتف الذكي ؟ قد ينزعج القراء المحافظون أيضاً من ليبرالية الكاتبة العارضة، خاصة في وصف صناعة التكنولوجيا التي تصورها في أسلوب شرير. وهو ما يتضاعف في نظرتها اللاذعة إلى استخدام الشاشات في المدارس، والذي تعترف أنه أسوأ مما كانت تتوقع.

لكن أكثر ما خيب ظني هو تذبذبها في وصف الأبوة السيئة. والذي قد ينشأ من نزعتها اليسارية، لكن القليل من الحكم سيقطع شوطاً طويلاً. فعندما يسمح الآباء لأبنائهم بأكل الوجبات السريعة ويصبحون بدناء، على سبيل المثال، فهو يشبه تركهم يلعبون في الزحام، فلا ينبغي التردد في وصف ذلك بالأبوة السيئة. وعندما نسمح للأطفال بشكل منتظم لاستعمال الهواتف الذكية بدون وقت محدد وهو ما يوقعهم في حالة اضطراب أو أسوأ، فيجب علينا وصف ذلك بالأبوة السيئة أيضاً. إن عجز الحكم وتواجد الليبرالية لن نجدهما في كتاب نعومي شيفر ريلي الجديد. وهي زميل معهد إنتربرايز الأمريكي ومنتدى النساء المستقلات، فلا تخشى ريلي من إنذار الآباء للحد من وقت الشاشة أو حتى إلغائه، وكما يقول عنوان كتابها : “كونوا آباءً، من فضلكم”. وهي تغطي الكثير من نفس الأبحاث وتقتصر على العديد من المحللين مثل كامينتيز، ولكنها تصل إلى استنتاج أكثر إزعاجاً حول الأضرار المحتملة لوقت الشاشة. هذا جزئياً لأنها لا تستبعد الدراسات الارتباطية بقدر ما تفعله كايمنتيز، ويرجع ذلك جزئياً أيضاً لتركيزها بشكل أكبر على زهرة الأوركيد : أي الأطفال القلائل نسبياً الذين يعانون بشدة بسبب الشاشات. إنها تقترب من تبني نهج "التعفف" في وقت الشاشة، وتثني على الآباء الذين ينجحون في تربية الأطفال بالطريقة الأمريكية القديمة التي كانت في القرن الحادي والعشرين.

في القرن الحادي والعشرين. عندما يكبر الأطفال بما فيه الكفاية للتنقل بين مجتمعاتهم بدون إشراف، توصي ريلي بشراء هاتف نقال بغطاء لهم Flip Phone، أو حتى مجرد ساعة، بدلاً من الهاتف الذكي. وكما قالت لاحقاً : "قد تعتقد أنك بحاجة إلى أن يكون لطفلك هاتف لترتيب خدمات الركوب والتوصيل". "لكن لا تفعل ذلك. اتفقوا على التقابل في وقت محدد. أنت لست أوبر. إذا حدث خطأ ما، قم بتعليم طفلك كيف يطلب من شخص بالغ أن يتواصل معك". على الرغم من أنني وجدت الأسلوب مبالِغاً نوعاً ما - تذكر أني أب لا يريد أن يجد ضرراً في الاستخدام المعتدل للشاشة - فإن هذا الكتاب بفلسفة الين yin (هي فلسلفة صينية عن الأنثى في الكون) مفيداً لفسلفة اليانج yang لكامينتيز (فسلفة صينية للذكورة في الكون). ربما لأن أطفال ريلي قد أصبحوا أكبر سناً قليلاً، فهو أقوى أيضاً عندما يتعلق الأمر بالبالغين والمراهقين - وفي بعض الأحيان مرعب بشكل واضح. مثل حديثها في وجوب عدم النظر في الشاشات قبل النوم. كان من المفيد بشكل خاص "نصائح لخفض الظهر" من جهة ريلي التي طرحتها في الكتاب. على سبيل المثال : "الرجيم هو الرجيم، سواء كان مخصصاً للطعام أو لوقت الشاشة. إذا لم تكن حازماً في الأسابيع القليلة الأولى حول القواعد، ستفشل. وسيشعر الأطفال بضعفك، وسيستمرون في الطلب حتى يهزمونك".

أيضاً قولها : “الأطفال ليسوا بالغين. فإنهم لا يحبون الجلوس لفترة طويلة من الزمن. وإذا كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها القيام بذلك هي مع جهاز ما، فاسأل عما إذا كان الأطفال بحاجة بالفعل إلى أن يكونوا هناك. سواء كان مطعماً فاخراً أو اجتماع شقيق بأخيه لمدة ثلاث ساعات بالسباحة، فربما هذا ليس المكان الذي ينتمون إليه". على الرغم من اختلافهما في الأسلوب والاستنتاجات، تتفق كامينيتز وريلي على بعض النقاط. فكل منهما ينظر إلى التكنولوجيا في المدارس بتشكك كبير، وكل منهما يقلق من وقت الشاشة وفقدان الكثير من الأمور الصحية والحسنة، مثل القراءة واللعب في الهواء الطلق. وكلتاهما أيضاً تتجنب القضية الكبرى التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام : كيفية تشجيع آباء الفقراء والطبقة العاملة ليكونوا أكثر مسؤولية عندما يتعلق الأمر باستخدام أطفالهم للشاشات. كما تقر المؤلفتان بأن أطفال الطبقة المتوسطة العليا حالهم أفضل، حيث يقوم العديد من أولياء أمورهم بالفعل بمراقبة وتقييد وقت الشاشة. في حين تشير البيانات إلى أن العديد من أطفال الفقراء والطبقة العاملة يقضون ساعات طويلة جداً مع هواتفهم وألعاب الفيديو وأجهزة التلفزيون، مما يساهم في ضعف الأداء الدراسي، وارتفاع معدلات السمنة والعزلة الاجتماعية، مع النتائج السلبية الأخرى.

من الصعب معرفة كيفية التعامل مع هذه المشكلة، ولكن قد نبدأ باتباع مقولة تشارلز موراي : "التعبير عما نمارسه". حيث يواجه الآباء الذين يقرؤون هذه الكتب بالفعل مشكلة التعامل مع الشاشات في حياة أطفالهم. لكن نحتاج إلى الآباء الذين لا يقرؤون هذه الكتب للتعامل مع هذه المشكلة أيضاً.