الحب لدى المرأة الثالثة -مشاعل آل عايش

المرأة الثالثة في منظومة الحب الغربية

مشاعل حلفان آل عايش

باحثة دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة

 

مهما حاولت البشرية رسم خطوط العيش الآمن, وتنظيم الحياة بطريقة مبدعة, لزمها أن يكون للحب دورا في مسيرتها الحضارية, وإلا انقلبت حياة البشر إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف, فتسلب الحقوق دون رحمة, وتموت الضمائر دون عزاء.

والحب قاسم مشترك بين جميع الكائنات الحية, فكأنه عصب حياة يقوى بها الجسد على مطالب الحياة, والحب وديعة ربانية في النفوس, تتفاوت درجاتها من شخص إلى آخر, فقد تزهر ربيعا لدى البعض, بينما تكون لدى آخرين شتاء قارس, أو خريف تساقطت أوراقه.

وظلت المرأة رمزا للحب على مر العصور والثقافات, وحظيت بنصيب وافر في كتابات الأدباء والمفكرين, سواء كانت تلك الكتابات إشادة, أو اتهاما.

وطال الحب في عصر العولمة ما طاله من التغير والانحراف عن مساره الطبيعي, لاسيما في الحياة الغربية, وغزت المادية ذرات الحب الإنساني, لتخرج لنا عواطف منحرفة عن طهارة الحب, أو تطبيقات مادية تدعي الحب بطريقة معاصرة, وفي كلا الحالتين انتحار لمثالية الحب وقداسته.

و أصبح إطلاق الغرائز, وقرع أبواب الشهوات هو سمة الحب الغربية, أما الجسد فهو خادمه المطيع ولاشيء غير ذلك, لتصبح القيمة الخلقية في الحب موروث قديم يتنافى مع رأسمالية الحياة, وفردية الفكر, تحت غطاء من النفعية المضللة بشعارات براقة من الحرية والمساواة. فأصبحت سعادة الحب وقتية كما سماها جيل ليبو فيتسكي"الحمى الاستهلاكية, والسعادة المفارقة" ليعلن بعدها أن الحب ركبه من التطور ما ركب الحياة الغربية, فقد كان حبا ناعما في القرون الوسطى(المرأة الأولى) ثم متصنعا ثم رومانسيا(المرأة الثانية), ثم متحررا, وهذا هو الفصل الأخير فيه(المرأة الثالثة).

وظلت المرأة هي رمز الحب في الثقافة الغربية, أما الرجل فهو انعكاس لتلك العاطفة, يقول بالزاك:"إن حياة المرأة هي الحب", ويقول ميشليه:"لا يمكنها العيش دون الرجل, ودون المنزل, ومثالها الأعلى لايمكن أن يكون سوى الحب, ما هدفها في الحياة؟ ما رسالتها؟ الأولى هي أن تحب, والثانية أن تحب رجلا واحدا, والرسالة الثالثة هي أن تحب طوال الوقت" , فقد كانت المرأة الغربية تحمل تضحية وولاء لحبها,تحيطه بسياج من القداسة كما قال نيتشه:"هو تضحية ونهاية غير مشروطة ,.."

ولكن هذه العاطفة الإنسانية لدى المرأة الغربية لم تبق على هذا التوجه في الحب, من حفظ الحب داخل أسوار المنزل, ليبقى ساميا في تطلعاته وأهدافه.

فعندما تطورت الحياة الغربية, و طغت المادية على جميع مناحي الحياة, تراجعت قيمة الحب المعنوية, لتصبح نفعية أكثر منها طبيعة مجردة, وتراجعت قداسة الحب, ليصبح انسلاخا خلقيا أكثر منه عفة وحياء, لتصبح بعدها وقتية الحب الزائفة نقمة وحسرة ووبالا, فيظهر الفرد بعدها أكثر وحشية, وعنفا, واستبدادا, لما رآه من تجربة عاطفية فاشلة, لم تمنحه مالا, أو طمأنينة, ولذلك علت صرخات المفكرين مثل(رامبو)"يجب إعادة اكتشاف الحب" , وهنا وجدت المرأة الغربية أن بذلها مزيدا من الحب هو مزيدا من الاسترقاق الذي يجب أن تتحرر منه, وأن ذلك قد يعيق تنميتها المستدامة, التي يجب أن تنتزعها من الرجل سواء كان(أبا أو زوجا أو أخا..), فقد أصبح الحب منحدرا للنساء ينبغي التحرر منه, والزواج عبودية للمرأة, وسياسة ذكورية يجب التمرد عليها, وانتقل الأمر من"اعشق حتى تفقد عقلك, إلى استمتع دون قيود" والثورة على"الانغلاق المنزلي للحب".

هذه الثورة في عالم الحب الغربي سنت كثيرا من القوانين وهي: شرعنة منع الإجهاض, والإنجاب, واعتبار الزواج مؤسسة غير ملزمة بالعقد في ممارسة الرغبات. وبعد الحرب العالمية الثانية ظهر ما يسمى"أدب ماء الورد" وهو عبارة عن روايات مصورة عن الحب, وكان هذا النوع من الأدب محظور في منازل الطبقة البرجوازية في الغرب, فالفتاة التي تقرأه لا خير فيها, وذلك نتيجة الحمى المحمومة التي أصابت الفتيات في اقتناء تلك الروايات, والإنكباب على قرأتها, على ما فيها من إهدار لبقية القيم الأخلاقية التي كانت تحيى بها شعوب الغرب.

وتوالت التطورات في عالم الحب ليظهر ما يسمى"فجور الحواس" فأصبح الشارع الغربي مكانا للتبذل والانسلاخ, كما لو كان الإنسان داخل منزله.

كان جسد المرأة هو قلب الكفاح الذي قاده التيار النسوي الجديد, وشرعت له أكثر القوانين للحفاظ عليه في منظومة مؤتمرات المرأة الغربية, كما صرح أحدهم قائلا:"الحرب السياسية في الشأن الخاص..والحرب الجنسية في الفضاء العام", هذه الثورة العاطفية التي خاضتها المرأة الغربية ضد الحب لتنقله من روضته الغناء"المنزل", لتتاجر به بعد ذلك في الشارع, ثم تعلنه بعدها حقا مشاع, ليدرك العقلاء بعدها ضياع المنزل والشارع والمجتمع, إن لم يتدارك الأمر, ويعاد توجيه بوصلة الحياة العاطفية للمرأة الغربية, تقول إحدى الكاتبات الغربيات بعد زيارة لها لمصر "إذا كانت هذه هي الحرية التي كسبناها أخيرا, وهذا التنافس سيصبح أثره أن يتولى الرجال عن النساء, وأن يزول عن القلوب كل ما يحرك أوتار الحب الزوجي, فما لذي يكون قد ربحناه؟ لقد نضطر في هذا الحال لتغيير خططنا. بل قد نستقر طوعا وراء الحجاب الشرقي لنتعلم من جديد فن الحب الحقيقي".

عند ذلك ينبغي أن تدرك المرأة المسلمة نعمة الله عليها في الاهتداء لهذا الدين, حيث أمر بمودتها أما وأختا وزوجة, ولتعلم أن الحب كونه (عاطفة) فهو مما تحاسب عليه يوم القيامة إن هي صرفته لغير الله, فهو من أعمال القلوب التي يجب إخلاصها لله وحده(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).

وفي حمئة الدعاية الإعلامية الغربية عن محاولة جعل حياة المرأة الغربية نموذج يحتذى به, فهي أكثر نساء الأرض شقاء ونصبا(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا), لم يزدها تحررها إلا فردية مرهقة سلبت منها المال والعاطفة, ثم أبقتها جسدا خاويا لا يأبه به.

لينكشف للمرأة المسلمة زيف الحياة الغربية التي أقصت الدين والأخلاق, وظنت أن المال والطبيعة بدلا لهما, فكانت السعادة ضحية نحرت بينهما, والأسرة التقليدية" كما يسمونها" المكونة من (الزوج والزوجة والأبناء) شكلا من أشكال الأسرة المعاصرة, التي لم يقرها دين, أو يشهد بها عاقل.

لنرى الحب في الإسلام عاطفة تحيل المنزل إلى واحة وارفة الظلال, محفوظ بنصوص الوحي, فلكل فرد في المجتمع نصيبه من هذا الحب, فللوالدين أعظم الحب وأجله, وللزوج أخلصه وأطهره, وللأبناء أصدقه وأوفاه, وللمسلمين أنفعه وأبقاه, ليتدثر الحب لدى المرأة في الإسلام برداء الأدب والحياء, فيسمو بها طهرا وعفافا, وتسمو هي بمجتمعها رقيا وصلاحا, لا يمنعها جلال الحب وطهارته عن طلب علم, أو بناء مجد, ولا يعوقها عن خدمة دين ووطن.