أنت مذكور في القرآن -سارة القرشي

أنت مذكور في القرآن !

سارة بنت منصور القرشي

 

أحتاجُ لقلبك في هذه المقالة ولا أكتفي منك بتقليب بصرك وقلبك لاهٍ في محطات الحياة ولعلّ قدرَ الذي أحمله إليك هو الذي حمَلني على هذا الطلب، فإني من هذا المقام سوف أعرضُ عليك حقيقة نفسك وأدلّك على الطريق الذي منه تعيشُ مكاشفةَ قد عيشتُها من قبلك وعلمتُ منها حقيقة نفسي وطباعي، وبعد المكاشفة سيكون لكل واحد منّا وجهته.

لو قيل لك : أنت مذكور في القرآن !

سيكون لهذه الكلمة وقع ملفت عند كل من يقرؤها ويسأل كيف يكون ذلك؟ ولكنها حقيقة يجب أن يعلمها كل مسلم، حقيقة تدلّه على معرفةِ نفسه, ومبدأ ذلك كله وأصله من القرآن الكريم في آيات كثيرة ذكر الله تعالى صفات النفس الإنسانية وما يعتريها من أحوال ولعل شيئًا من ذلك يظهر لك بتأمل قوله تعالى في سورة المعارج : { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا }

"وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع.

ثم ذكر الله سبحانه وتعالى معنى " هلوعًا " في الآيتين التي بعدها :

قال : {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } أي : يجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له

من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.

{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره."

فهذه هي حقيقة الإنسان التي هي من أصل خلقته وطبيعته، يجزع في الضراء، ويمنع في السراء.

فهي ثلاثُ كلمات صيغت بالمبالغة : ( هلوعًا ) :كثير الهلع ( جزوعًا ) : كثير الجزع

( منوعًا ) : شديد المنع .

ولعلك تستعرضُ على نفسك وتجرُّ سير مواقفك التي تخبرك بأنك خُلقتَ هلوعًا، ولتعلم أنه ليس هناك أحد من الجنس البشري بخارجٍ عنها، فعندما يأتي وصف للإنسان في القرآن فهو يشملني ويشملك والناس جميعا !

ثم يأتي ذلك الاستثناء الذي تتوقُ إليه النفوس وتسعى بأن تكون من أهله قال تعالى :

{إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ والَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}.

قال السعدي رحمه الله :

{ أُولَئِكَ } أي: الموصوفون بتلك الصفات { فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } أي: قد أوصل الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون.

وحاصل هذا، أن الله وصف أهل السعادة والخير بهذه الأوصاف الكاملة، والأخلاق الفاضلة، من العبادات البدنية، كالصلاة، والمداومة عليها، والأعمال القلبية، كخشية الله الداعية لكل خير، والعبادات المالية، والعقائد النافعة، والأخلاق الفاضلة، ومعاملة الله، ومعاملة خلقه، أحسن معاملة من إنصافهم، وحفظ عهودهم وأسرارهم ، والعفة التامة بحفظ الفروج عما يكره الله تعالى.

فهؤلاء الموصوفون بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا.

ولعلي أسوقُ إليك أيها القارئ الكريم نصًا بديعًا في وصف هذه الطبائع وكيفية مدافعتها

اعلمْ أَنَّكَ لا تُصيبُ الغَلَبةَ إلَّا بالاجتهادِ والفضلِ، وأَنَّ قِلَّةَ الإعدادِ لُمدَافَعَةِ الطَّبَائعِ المُتَطَلِّعةِ هو الاسْتِسْلامُ لها، فإنَّه ليسَ أحدٌ مِنَ النَّاسِ إلَّا وفيهِ مِنْ كلِّ طبيعةٍ سُوءُ غَريزةٍ، وإنَّما التَّفاضلُ بينَ النَّاسِ في مُغالبةِ طبائعِ السُوء. فأما أن يسْلمَ أحَدٌ مِنْ أنْ تكونَ فيهِ تلكَ الغَرَائِزُ فليسَ في ذلكَ مَطمعٌ. إلَّا أنَّ الرجلَ القَويُّ إذا كَابَرَها بالقمعِ لها كلَّما تَطلَّعتْ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُمِيتَهَا حتَّى كأنَّها ليستْ فيهِ.

وهي في ذلكَ كَامنةٌ كُمونَ النَّارِ في العُودِ، فإنْ وَجَدَتَّ قادحًا من عِلَّةٍ، أو غفلةٍ، اسْتَوْرَتْ كما تَسْتَورِي النَّارُ عند القدحِ، ثمَّ لا يبدأُ ضُرُّهَا إلَّا بصاحبِها، كَمَا لا تبدأُ النَّارُ إلَّا بعودِهَا الذي كانت فيه.

وصَفَ الطبائع بأنها متطلعة وهذا وصف بليغ دقيق فكأنها تتوق للحظة الهجوم عليك!

ثم أشار إلى نقطة مهمّة وهي أن التفاضل بين الناس يكون في مغالبة طبائع السوء، وحتى تتسم بقوة المغالبة؛ عليك بتأمل صفات المصلين والسعي في تحصيلها وذلك لن يأتي في يوم وليلة، بل بمسيرة حافلة بالاستعانة والدعاء، مسيرة لصلاح القلوب ،فلتلك المضغة تأثير بالغ على صلاح شأنك كله .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ .

أيها القارئ الكريم حريّ بنا أن نلتفت إلى هذه الحقائق والمفاهيم المذكورة في القرآن الكريم فمن المحزن أن تكون علاقتنا بالقرآن علاقة متوقفة على اللفظ مجردة من المعنى والتدبّر فننسى بأنه طريق للهداية والصلاح قال الله تعالى: إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ 

أي : أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق،فالمسألة تتجاوز اللفظ إلى ما وراءه من معانٍ جليلة ودلالات عظيمة.

قال الله تعالى :  الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 

 لابد أن ندرك حقيقة أننا نعيش في ظلم متراكمة، ظلم المعاصي والجهل والكفر – كفر النّعم – وهذا القرآن هو النور الذي نُهتدي به إلى الطريق الموصل لله ودار كرامته.

فوالله إنه كنز بين أيدينا رسم لنا طريق الهداية، فتارة يخبرنَا عن حقيقة أنفسنا وكيف نعالجها ومن أين نبدأ، وتارة يعظنا ويرشدنَا لما فيه فلاح وصلاح لقلوبنا.

ومن هنا فهذه دعوة لكل مسلم أن يلتفت لهذه الحقائق والمفاهيم في القرآن الكريم، وأسأل الله أن يرزقنا الهمّة العالية لتدبر كتابه وأن يجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنَا وجلاءً لأحزاننا وشفيعا لنا، فهو كريم جواد قريب مجيب .

والحمد لله ربّ العالمين !