لا يوجد تقدم في الفلسفة-راشد العبد الكريم

لا يوجد تقدم في الفلسفة

إيريك تيدريش

قسم الفلسفة جامعة بينجهامبتون،

(متخصص في الرياضيات)

ترجمة : أ.د. راشد بن حسين العبد الكريم

جامعة الملك سعود

 (بإذن من المؤلف)

 

ملخص

ما عدا اصطباغها بحداثة القرن العشرين بصيغة المنطق وفلسفة اللغة، فإن الفلسفة هي نفسها كما كانت من قبل، لم تتقدم شيئا قط.

فنحن الفلاسفة نتصارع مع المشكلات ذاتها تماما التي تصارع معها [فلاسفة] ما قبل سقراط. ومع ذلك فأغرب (أشنع) من هذا الزعم الإنكار الصريح تماما لحقيقته الظاهرة من قبل كثير من الفلاسفة الممارسين. سوف تُناقش رؤية عدم التقدم ويدافع عنها هنا. وسيشخّص إنكارها على أنه شكل من أشكال (إنكار المرض) anosognosia وهو حالة عقلية حيث ينكر الشخص المصاب أن لديه مشكلة. وسيتم أيضا فحص نظريتين لفيلسوفين كبيرين يدعمان رؤية عدم تقدم الفلسفة. وسيقدم القسم الأخير توضيحا لعجز الفلسفة عن حل أي مشكلة فلسفة، أبدا. وستختم الورقة ببعض التأملات حول مستقبل الفلسفة.

 

1. كيف تشبه الفلسفة العلم؟

أنا بروفيسور في قسم الفلسفة. وأغلب زملائي في مجال الفلسفة يدرسون الأخلاق بشكل أو بآخر. ولدينا في قسمنا كثير من العواقبيين consequentialists ، وعدد من الملتزمين أخلاقيا deontologists والأخلاقيين الأساسيين moral essentialists ، وعدد من أخلاقيي الفضيلة وقليل من النسبيين. وهو مكان معهود أن تكون فيه هذه الرؤى، على الأقل في صيغ معينة مشهورة، غير متوافقة مع بعضها. وبالتأكيد فكثير من زملائي يعتقدون هذا. وأغلبهم أيضا يعتقد أنه مُحقّ. وحيث أنهم أيضا يعتقدون بعدم التوافق مع النظرية الجبرية theory-incompatiableism فإنهم يعتقدون أن زملائهم مخطئون. والعواقبيون (مجموعة لا أنتمي لها) بوجه خاص صاخبون (صدفة، ولا شك). ويقومون بكل حماسة وإخلاص بالتوضيح لبقيتنا بأننا مخطئون، ويعطوننا الحجج قديمها وجديدها لدفعنا لتغيير آرائنا. ونحن لم نتغير قط.

وهذا لا يعني أن أقول إن حججهم لا تؤثر فينا. فكالفلاسفة في كل مكان ومن كل توجه، فنحن، غير العواقبيين، متأثرون بشدة بحجج زملائنا المؤيدة للعواقبية، فهي تجعلنا نميز ونُظهر المسلمات premises والأخطاء في استدلال زملائنا. وبالطبع فعندما نحدد تلك الأخطاء فإن العواقبيين، مثلنا، لا يغيرون آراءهم، فيتجمعون أكثر عزيمة ويبدأون نشيطين.

والدين أيضا مهم في قسمي. وهنا الأمور أيضا أكثر حدة pointed، وهو أمر ظاهر من حقيقة أن النقاشات حول الدين أكثر أدبا بكثير من النقاش حول الأخلاق. فالمتدينون (غير الملحدين) يظنون أن الملحدين ضالين (جهلة) benighted، والعكس صحيح. ويرى البوذي، بأسف، أن كليهما حيران، وسيتخلص من حيرته بعد الكثير من حلقات الموت وإعادة الولادة. وحيث أن الدين يتضمن التزاما وجوديا (أنتولوجيا) راسخا، فإن الاختلاف هنا حول من هو المحق من المخطئ خلاف حول البنية الحقيقية / الواقعية actual للكون ومحتواه، فهو اختلاف حول ما نوع الكون الذي نعيش فيه. والحجج هنا حتى غير مثمرة أكثر من الحجج الأخلاقية التي نوقشت آنفا.

وهاتان الحالتان – الأخلاق والدين – مثالان للطريقة التي يتصرف بها الفلاسفة وتصرفوا بها منذ أن ظهرت الفلسفة أول مرة في البشر، والتي ربما كانت معاصرة لظهور اللغة. يخالف الفلاسفة بشدة بعضهم بعضا، ونادرا ما يغير الحِجاج رأي أي فيلسوف (وإن كان في بعض الأحيان يوقظ الفيلسوف من غفوته الاعتقادية [الدوغمائية])، ويظنون أن الآخر مخطئ وقد وقع في الخطأ، بدلا من الظن بأن الآخر إنما لديه رؤية مختلفة للحقائق ذات العلاقة.

وفي سلوكهم هذا، يتصرف الفلاسفة تماما مثل العلماء (وعلماء الرياضيات) تقريبا. ولرؤية ذلك، قارن الوضع في قسمي مع قسم الأحياء في الجامعة. لدينا في جامعة بيرمنجهام عالم أحيا مشهور- ديفيد سلون ويلسون – طور لعقود وقدم أدلة في سبيل إضافة مهمة لنظرية التطور المعاصرة: نظرية اختيار المجموعة group selection. في نظرية اختيار المجموعة تعمل ضغوطات الاختيار ليس فقط على الأفراد (أو الجينات)، إنما أيضا على المجموعات ذات الأفراد المتشابهين، وتدعى مجموعات الصفات. ويستخدم ويلسون اختيار المجموعة لتفسير أشياء مثل تطور الإيثار altruism والتعاون، الذي يعمل له الاختيار المجموعة بشكل جيد، وفيما يبدو أفضل من النماذج القائمة على اختيار الجين [المورث]. ورؤية ويلسون أكثر تعقيدا من هذا الوصف المختصر؛ فمثلا اختيار المجموعة ما هو إلا جزء من نظريته الأكبر المسماة نظرية الاختيار متعدد المستويات، التي تفترض حدوث الاختيار على مستويات متعددة مختلفة: الجين، والخلية، و[الكائن] العضوي، والمجموعة (أنظر، Sober and Wilson, 1998; Wilson, 1975; Wilson and Sober, 1994; and Wilson and Wilson, 2008). وعلى أي حال فهذا يكفي لما نقصده.

رُفض اختيار المجموعة تماما وهوجم بعنف من أمثال ريتشارد دوكينز ودانيال دينيت، الذي رفضوه إما على أنه خطأ أو على أفضل الأحوال أنه غير مهم (انظر، على سبيل المثال Dawkins, 1994 and Dennett, 2006). وقد تم حظر اختيار المجموعة من الأحياء التطورية منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين، وغالبا استنادا على جورج وليام (Williams, 1972) – الأسباب مركّبة واجتماعية وليست علمية. لكن والشكر لديفد ويلسون وعلماء أحياء آخرين مثله، فقد صار لاختيار المجموعة عودة واحتلت مكانة في النظرية التطورية. واستمر دوكنز ودينيت غير مقتنعين بحجج ويلسون. ويعتقد ويلسون أنهما مخطئان، ويعتقدان أنه مخطئ. ولكل حجة يسوقها ويلسون يزيد دوكينز ودينيت عملية التمييز distinct-making وإيجاد الأخطاء fault-finding لدحض ويلسون، والعكس يحدث أيضا. و [هنا] يتذكر الإنسان المقولة القديمة "يُكسب الجدل العلمي عندما يموت المتخاصمون وينشأ جيل جديد يتبنى النظرية الجديدة". فإذا انتصرت بالفعل نظرية الاختيار (و المستويات المتعددة) أخيرا، فذلك لأن جيلا من علماء الأحياء قد تبنوها.

ومن الملفت للنظر كم أن هذا شائع في العلم. وفيما يبدو فإن إنشتاين قد مات معتقدا أن الميكانيكا الكمية كانت خاطئة (بالرغم من أنه ساعد في إيجادها). وقد مات هنري بونكاري، وليبولد كرونِكر، وبراور ، وفيتجشتاين ماتوا معتقدين أن نظريات جورج كانتور في الأعداد ما بعد النهائية transfinite ليست فقط خاطئة، وإنما "مرض خطير" بعبارة بونكاري. وبالرغم من قلة عددهم فإن عددا من العلماء المعتمدين إلى هذا اليوم ينكرون النظرية التطورية، ويفضلون بدلا منها نوعا من نظرية (الخلق بواسطة عليم) creation-by-intelligent-agent. ولا شك أنهم سيموتون وهم متمسكون بمثل هذه المعتقدات (والعكس صحيح بالنسبة للتطوريين).

وهناك، بالطبع، أمثلة مضادة. فنظرية روبيرت باكر بأن الديناصورات كانت ذوات دم حار وسريعة وذكية هي الآن (مع بعض التغيير) الرؤية المتقبّلة، وكانت الرؤية المتقبلة في أثناء حياته. إلا أن هنا سخرية مغتفرة: فقد رفض باكر قبول نظرية تأثير والكويكبات والمذنبات في انقراض الديناصورات، وهذا بالرغم من ما نشر في [مجلة] العلم (Science ) من أبحاث أساسية تؤيد بقوة تلك النظرية (Schulte, et al.2010).

إذن، لا أحد يستطيع إقناع خصمه. وكل ما يأمل الشخص أن يعمله هو أن يقنع الجيل الشاب القادم. والنظريات الجيدة، والأفضل إنما تفعل ذلك فقط. وهذا السلوك يكون ذا معنى make sense على المدى البعيد، وذلك أننا إذا تنازلنا بسهولة عن نظرياتنا المحببة، فلن نختبر بشكل كافٍ ونؤكد نظرياتنا لتنال بجدارة التشريف المرغوب: الصواب. ولذا فالعلم يتقدم.

لكن ماذا عن الفلسفة؟ فهي بوضوح تشبه العلم هنا: لا أحد يستطيع إقناع خصمه، إلخ، إلخ. فهل هي تتقدم؟

لا، هي لا تتقدم.

2. كيف تختلف الفلسفة عن العلم

الفلسفة لا تخطو، حتى ولا بتعثر، إلى الأمام. الفلسفة لا تتقدم إلى الأمام مطلقا. فهي تماما كما هي منذ 3000 سنة، في الحقيقة كما كانت منذ البداية. وما تفعله هو أن تكون معاصرة: ويخلط الفلاسفة هذا مع التطور، ومع تحقيق التقدم. فالبقاء معاصرا ليس تحركا للأمام أكثر من كون البقاء مواكبا لأحدث الأزياء أو الموسيقا تحركًا نحو عدالة اجتماعية أكبر.

أعلم أن دعواي هذه تصدم الفلاسفة ويرون أنها خطأ بدهي، وجنون وشيء شنيع. وأنال نوعين من النظرات. النوع الأول الحيرة التامة، كما لو أنني قد أكدت بإخلاص (واحد زائد واحد يساوي ثلاثة.) والنوع الآخر نظرات الاشمئزاز كما لو أنني قد أكدت بإخلاص (الرِّق مطلوب أخلاقيا.)

ربما تقول، وكأنك تحاول تصحيح شخص يعتقد أن القمر مصنوع من الجبن الأخضر: "أنظر، نحن جميعا نظن أن الرق غير أخلاقي. في الحقيقة، نحن نعلم أنه كذلك. كيف لا يكون ذلك تقدما فلسفيا؟ كيف لا يكون ذلك تقدما في الأخلاق ethics التي هي فرع من الفلسفة؟"

أنا لم أقل إن المجتمع لم يتقدم. إنه يتقدم. فنحن الآن واضحون جدا فيما يتعلق بعدم أخلاقية الرق. (بشكل عام، بالرغم من أن الرق غير قانوني في كل بلد في العالم، فإن هناك من الرق الآن أكثر من أي وقت مضى، وهو تجارة بملايين الدولارات). لكن الفلسفة لم تكتشف لا أخلاقية الرّق. فالفلاسفة لم يقودوا الهجمة ضد العبودية عندما كان يمارس علنا وبشكل شائع. والذي حدث ان القادة السياسيين والنشطاء الاجتماعيين (الذين لم يكونوا فلاسفة، وإنما نشطاء اجتماعيين) غيروا الطريقة التي كان يفكر بها الكثير حول الرق إلى درجة تغيرت فيها الاتجاهات attitudes، وطُبقت فيها القوانين، فتغير المجتمع والثقافة نتيجة لذلك. وكان على الفلاسفة اللحاق بذلك. وهذا صحيح في مجال الأخلاق بشكل شامل. فباستثناء عدد قليل وقصير من الكتابات (مثل كتابات مِل حول حقوق المرأة، ولوك حول الحرية الفردية والحقوق المتساوية)، فإن الفلاسفة كانوا وما زالوا ليسوا في طليعة أي تقدم في الأخلاق وقواعد السلوك morality and ethics. فلم يكتشف الفلاسفة أو يبدأوا الحملة لحقوق الحيوان، والحقوق المدنية، وحقوق المعاقين، والمهمشين [المحرومين]، فلم يقوموا بالحملة أولا قبل الآخرين لمزيد من التنوع والاحترام لجميع البشر ولكل الحياة. كان عليهم اللحاق بتلك الأفكار، وبصراحة فكثير منهم ما زال يتأخر في الخلف.

لكن قد تجيب: " ولكن مع ذلك فالفلاسفة الآن يعلمون أن الرق خطأ. وهذا تقدم، كما اعترفت بوضوح، ولذا فالفلسفة تتقدم."

حسنا... ولماذا كان الرق لا أخلاقيا؟ لن يُجيب فيلسوفان على هذا [السؤال] بالطريقة نفسها. حتى في داخل مجموعة العواقبيين في القسم الذي أعمل فيه هناك عدد مختلف من التفسيرات فيما يخص لماذا الرق غير أخلاقي. فنحن نعلم فقط أنه كذلك، وهذا ما يعرفه الكثير. فوظيفة الفلسفة – إن كان لها وظيفة – هي أن تفسر أو تقول لمَ الرق غير أخلاقي. ولم تقم بذلك بعد. (ولماذا لم تقم بذلك سيكون موضوع القسم 6).

إن المجتمع لا يرجع إلى فلاسفته لتحصيل فهمٍ أعمق للقضايا الأخلاقية والسلوكية moral and ethics. فلا يستطيع المجتمع عندما يكون في حاجة ماسة أن يطلب المساعدة من فلاسفته. فسؤال (ماذا يجب أن نفعل؟) سيجاب عنه (حسنا، هذا يعتمد [على الوضع]. فمن جهةٍ يمكنك التفكير في زيادة الخير(بأي من الطرق الكثيرة المختلفة، وباستخدام أي من التعريفات ل (الخير )، لكن من جهة أخرى يمكنك التفكير في أن عملا معينا يبدو للبعض داخليا خطأ ولآخرين داخليا جيد. ومن جهة ثالثة ربما كانت النسبية الأخلاقية صحيحة في النهاية. فمن الصعب إعطاء رأي، في الحقيقة.)

هنا نقل ذو علاقة من جيمس ستيربا (2005):

تبدو قواعد السلوك ethics مختلفة عن مجالات البحث الأخرى. فلا نستطيع أن نجد مناصرا معاصرا لبطليموس (100- 170 ق م) ولا لكوبرنيكوس (1473- 1543) ولا حتى لإسحاق نيوتن (1642- 1727)، الذين ادعوا كلهم أن لديهم أفضل نظرية لفيزياء الحركة السماوية أو المذهب التجاري أو المذهب الطبيعيكما كان في القرن الثامن عشر، والجميع يدعون بامتلاك أفضل نظرية اقتصادية. لكننا نجد مناصرين لأرسطو (322- 384 ق م)، وإيمانويل كانت (1724- 1804)، وجون ستيوارت مِل (1806- 1873)، فجميعهم، على سبيل المثال، يدعون أفضل نظرية في قواعد السلوك ethics. وبالطبع هناك اختلاف كثير في مجالات البحث الأخرى، لكن درجة الاختلاف تبدو أكبر بكثير في مجال الأخلاق.

ولقد أصاب ستيربا عين الحقيقة. ومن الواضح أن فلاسفة آخرين أيضا يرون أنه على الأقل بعض الفروع من مجالاتنا [الفلسفية] المختارة لا يحدث فيها تقدم. الإشكال مع رؤية ستيربا أنها تتوقف في الأخلاق. الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة (الابستميولوجي) وكل مجالاتها الفرعية تعاني نفس المصير تماما (أنظر أيضا، McGinn, 1993 and Nagel, 1986) وعلى خلاف العلم تماما، فلا جزء من الفلسفة يتقدم. فالفلسفة، باستثناء بعض العصرنة، هي نفسها تماما الآن كما كانت من قبل. فلم تتقدم ذرة واحدة.

3. أرسطو يأتي للقرن الواحد والعشرين

تخيل أن أرسطو، بينما هو يسير حول الليسيوم Lyceum يصادف حالة التفاف الزمن time-wrap فيقفز إلى يومنا الحاضر، في جامعة مشهورة في مكان ما في دولة تتحدث الإنجليزية، مع قدرته على الحديث بالإنجليزية، مرتديا ملابس حديثة، ولا يكون مجنونا بسبب هذا كله. ولحرصه على اكتشاف حالة المعرفة يجد محاضرة فيزياء فيجلس فيها. فيصدمه ما يسمع. الريشة وكرة الحديد تسقطان بنفس السرعة في الفراغ؛ فكونها أثقل لا يعني سقوطها بشكل أسرع، شيء لا يفهمه أرسطو. ويرى أرسطو، مع بقية القاعة، التحقق التجريبي لهذا من القمر (من القمر ؟!؟!؟) يقوم بها الضابط ديفيد سكوت من سفينة أبولو 15. ونفس المعادلات (المعادلات؟!؟!؟) التي تفسر لماذا تسقط التفاحة على الأرض تفسر كيف يبقى القمر في مداره حول الأرض، وكيف تبقى الأرض في مدارها حول الشمس (مدار؟!؟!؟). ويتعلم عن الأشياء الغريبة في الميكانيكا الكمية quantum mechanics. وبقدر ما يسمع بقدر ما تزداد صدمته. وأخيرا يختفي. ويظهر مرة أخرى في مقرر (علم الكونيات) cosmology حيث يتعلم، للمبتدئين، أن المذنبات والنيازك ومجرة درب التبانة ليست ظاهرة جوية كما استنتج. وكانت مفاهيم مثل الانفجار العظيم، والنسبية، وحجم الكون، وعدد المجرات، والمادة السوداء، والطاقة السوداء، ... كلها فوق إدراكه. وفي مقرر الأحياء يتعلم أن قدرات الكائن الحي living thing's potential، مادته its matter، ليست تفسيرية البتة it is not at all explanatory، كما كان يظن، إنما بدلا من ذلك تعلم الجينات والأحياء التطورية. كما عرف أيضا أن فكرته عن التولد الآني (Spontaneous generation) ما هي إلا خطأ محض – ليست حتى قريبة من الصواب. ويتعلم عن التطور والاكتشاف الذي تتعلق به كل الحياة على كوكب الأرض. ومع استمرار الدرس يختفي مرة أخرى. وبعد أن يأتي أيضا، يتوصل بتأن/ بحزم soberly إلى أن هذا العالم الحديث وهذا الزمن المتقدم قد تجاوز معارفة ومعارف وقته تماما. ويشعر أنه متقزم dwarfed بتقدمنا المعرفي. وحزينا، مشى متثاقلا إلى درس فلسفة. وإذا به درس ميتافيزيقيا. وهنا سمع المحاضر يتكلم عن الجوهر، وعن الموجود من حيث هو موجود being qua being ، وعن أعم هياكل تفكيرنا عن العالم the most general structures of our thinking about the world. وهو يعرف تماما ما الذي يتحدث عنه الأستاذ. ورفع أرسطو يده ليناقش بعض الأخطاء التي يبدو أن الأستاذ قد وقع فيها، وبعض الفروق المهمة التي لم توضح. ومع تقدم المناقشة يتراجع أستاذ الميتافيزيقيا قليلا، لكنه أيضا مسرور من ذكاء هذا الطالب (الكبير) وتفكيره. ثم يذهب أرسطو إلى درس الأخلاق حيث يتعلم عن الأهمية المعاصرة لما يبدو أنه يدعى "أخلاقيات الفضيلة". فيعرفها فورًا، لكن مرة أخرى يبدو أن البروفيسور قد أغفل بعض التفاصيل المهمة، وفشل في رؤية بعض الجوانب العميقة من تلك الرؤية. فيرفع أرسطو يده ....

لا شك إن قصة عودة أرسطو إلى الفلسفة إلى حد ما معقولة بالنسبة للقارئ (ربما باستثناء جزء السفر عبر الزمن). فقد لا تكون أكثر من ذلك، أو هي ذلك تماما. ولكن هذا كل ما أريد. وحقيقة أن هذه القصة تحوي ولو نفحة من المعقولية تُظهر أن القارئ قد ميز discern فرقا أساسيا بين العلم والفلسفة. فمن منظور قرننا الحادي والعشرين نرى أن أرسطو لم يكن حتى قريبا من الصواب في أغلب أفكاره العلمية ونظرياته واستنتاجاته. فأعماله في العلم إنما هي [الآن] للمتعة التاريخية. ولكنه عملاق في الفلسفة إلى هذا اليوم. نستطيع أن نتعلم بقراءة أعماله الفلسفية.

هذا النمط من تجاهل العلم القديم لكن إعادة قراءة الفلسفة القديمة مرات ومرات يتكرر خلال تأريخ العلم وتأريخ الفلسفة. وهنا حالة أخرى. تأمل إنشتاين (1879- 1955) ، وفرجيه (1848- 1925)، و فِتجنشتاين (1889- 1951). فأعمال الفيلسوفين الأخيرين [فريجيه وفتجنشتاين] تُقرأ بعناية إلى هذا اليوم، ليس فقط من قِبل الفلاسفة المتخصصين والمعتمدين، بل في محاضرات طلبة الجامعة، حيث تُدرس أعمالهم بحثا عن الحقائق العميقة. ومع ذلك فلا يوجد فيزيائي يقرأ بحث إنشتاين لعام 1905، حتى البحث الذي عن النسبية الخاصة، ولا يقرأون بحثه لعام 1916 عن النسبية العامة. وبالطبع فالنسبية الخاصة والنسبية العامة كلاهما لا يزال يُدرّس – فهما يعتبران العمود الفقري للفيزياء الحديثة وعلم الكونيات. وحيث إنها قد اختُبرت بعمق فنظريات إنشتاين تعتبر في الوقت الحاضر صحيحة. ولكن تماما بسبب أن هذه النظريات تُعدّ صحيحة فلا أحد يقرأوها في صيغتها الأولية. وبدلا من ذلك يتم تدريس واستخدام نسخ منها أكثر سهولة رياضية ووضوحا. وحيث إن نظرياته صحيحة فما قاله إنشتاين فعلا لا يحتاج للجدل حوله. وفي المقابل، فنظريات فريجه وفتجنشتاين واستنتاجاتهما لا تُعد صحيحة، إنما تعتبر ممتعة interesting ومهمة. ولذلك فالنظريات الأصلية ستُقرأ وتُفحص ... ويُتجادل حولها. وعلى سبيل المثال، فتفسير كرِبكي Kripke لفتجنشتاين (1982) تسببت في جدل قوي مع كثير من الباحثين من أنصار فتجنشتاين مستنكرين كتاب كرِبكي والأفكار التي فيه (مثلا، McGinn, 1984; Baker and hacker, 1984).

والنمط نفسه تماما يتكرر مع تشارلز داروِن (1809- 1882) و جون ستيوارت مِل (1806- 1873). فاستنتاج داروِن يُعد صحيحا، ولذا فلا حاجة للمعاناة حول ما قاله بالفعل. استنتاج مِل لا يُعد صحيحا، بل ممتع ومهم. ولذلك فنحتاج فعلا أن نعاني [لمعرفة] ما قاله حقيقة.

وتلخيصا لما سبق، بالرغم من أن الكتب العلمية ذات العلاقة relevant قديمة، فإن النظريات، عندما تكون صحيحة، لا تكون [قديمة] (الحقيقة لا تشيخ بمر الزمن). لذا، فنحن ندرّس النظريات، التي نحدّثها بالأساليب الأفضل. إلا أنه لا توجد نظرية فلسفية صحيحة، أو على الأقل لا يوجد نظرية تُعتبر صحيحة من قِبل أغلبية مؤثر وكبيرة من الفلاسفة. ولذا فليس لدينا ملجأ إلا المعاناة حول ما قاله الفيلسوف وتكراره برتابة. في حالة الفلسفة يبقى النص "جديدا"، من حيث إنه يبقى يُنشر ويقرأ.

ما ذا يمكن أن يفسر هذا التفاوت في التأريخ بين الفلسفة والعلم، فيما عاشه أرسطو العائد؟ فقط شيء واحد: الفلسفة لا تتقدم. نعم، هي تتغير ببطء وتتحول لتبقى معاصرة. فميتافيزيقيا اليوم ليست ميتافيزيقيا أرسطو. فميتافيزيقيا اليوم تروج، على سبيل المثال، ب "العوالم الممكنة" possible world التي يستند وجودها على بمجموعة من أدلة المنطق الكبيرة والقوية، التي ما كان لأرسطو أن يتخيلها. فميتافيزيقيا اليوم تحوي أفكارا مثل التابعية supervenience التي تستخدم، بالإضافة إلى أشياء أخرى، لتفسير العلاقة بين العقل والمخ والعلاقة بين الوعي والعقل. ولكن بشكل أهم، ميتافيزيقيا اليوم تخصنا. فهي مكتوبة بلغتنا لنتداول أفكار القرن الحادي والعشرين بها. وهذا كل ما هنالك؛ هذا هو قصارى "التقدم". فالأفكار والنظريات جديدة أو معروضة بلغة حديثة، لكن لا يوجد تقدم حقيقي، البتة.

4. إنكار المرض الفلسفي anosognosia

ربما يعترض أحد بأن قضية مثل العوالم الممكنة والتابعية ومنطق الموجهات modal logic بالتأكيد تطورات في الفلسفة، فهي بدهيا تمثل تقدما. [ويضيف،] في الواقع إن الفلسفة بشكل عام تحوي كثيرا من المقولات [القضايا] notions والمفاهيم الجديدة تماما والمفيدة جدا. ولم يكن أرسطو يمتلك تلك المقولات وهذه التطورات والمفاهيم القوية التي بها نفسر العقل والكون وكل شيء.

لا بد أني قد تلقيت هذا الاعتراض عشرات المرات. والمدهش في هذا الاعتراض هو مدى ضعفه وفي نفس الوقت كونه مصدقا بحماسة. فإذا كانت كل هذه القضايا تمثل تقدما فإين النظريات الفلسفية الصحيحة؟ أين الاتفاق العميق والشائع في العالم الفلسفي حول أي النظريات صحيح؟ ولا يزال الفلاسفة يخبرونني، بينما ينظرون لي شزرا، ويرفعون حواجبهم، وينتصبون جادين، بأن نظرية (س) صحيحة. والمشكلة، وأنت أيها القارئ تعرف هذا، أن (س) تتراوح ليس فقط بين نظريات كثيرة مختلفة، إنما نظريات غير متوافقة، بشكل ظاهر. وقد أُخبرت بأن نظرية كانت في الأخلاق (مع بعض التصويبات) صحيحة، ثم أُخبرت أن نظرية مِل (مع بعض التصويبات) كذلك صحيحة. وفي كلا هاتين الحالتين، فإن النظرية س التي قيل لي إنها صحيحة هي النظرية التي صادف أن من قال لي ذلك يعتقدها أو يعمل عليها (ولا مفاجأة هنا).

كيف يمكن للحقيقة الظاهرة بأن الفلسفة تنقصها النظريات الصائبة، أو على الأقل تنقصها النظريات التي تعتبر بشكل واسع صحيحة، أن تُنكر. كيف يمكن للحقيقة الظاهرة أن الفلسفة لم تتقدم قط أن تُنكر بشكل قاطع؟

"إنكار المرض" anosognosia إعاقة ذهنية، حيث ينكر الشخص الذي يعاني من إعاقة أساسية أنه يعاني منها. وبعض حالات إنكار المرض مذهلة، حيث أن الإعاقة الأساسية واضحة وكبيرة. مثلا، الأعمى أو المشلول ممن يعاني من هذه الإعاقة، ببساطة، ينكر أنه أعمى أو مشلول.

إن الفلاسفة حول العالم يعانون من مرض إنكار المرض. فإعاقتهم الأساسية أنهم يعملون في مجال علمي، لم يتقدم قط، ومع ذلك فأغلبهم يحصلون على أموال الدولة على شكل رواتب. وهذا يُحدث تناقضا عقليا وفيما يبدو من المستحيل العيش معه. ولذلك يتطور لديهم "إنكار المرض"، وبكل بساطة ينكرون أن الفلسفة لم تتقدم قط. ويؤكدون أن الفلسفة تتقدم فعلا، لأننا، في النهاية، الآن نعرف أن ... انتظر ... نظرية (س) صحيحة.

ويعاني الفلاسفة أيضا من إعاقات ذهنية أخرى. فهم يعانون من وهم العمق التفسيري illusion of explanatory depth. وهم العمق التفسيري خطاء شائع يقع فيه الجميع، بالاعتقاد بأننا نعلم عن شيء أكثر مما نعلمه في الحقيقة. فمثلا، حاول أن تشرح كيف يعمل "سحّاب" الملابس zipper، أو البطارية (انظر Rozenblit and Kiel, 2002). فالفلاسفة (بكونهم فلاسفة) يعانون من نوع فضيع بشكل خاص من هذا الخطأ المعرفي. فبينما يمسك الميتافيزيقي المعاصر بنسخة مليئة بالتعليقات والحواشي من كتاب أرسطو مابعد الميتافيزيقيا سيُسهب في الحديث عن نظرية س الحديثة في الميتافيزيقيا ولماذا هي صحيحة، حتى لو لم يصدقه أحد. وعلى الأقل فسحاب الملابس يعمل فعليا، وكان هناك زمن ما قبل السحاب – فهو يمثل تقدما تقنيا. وعلى الأقل، وهذا هو المهم، فإن شخصا ما في مكان ما يستطيع أن يشرح لنا بتفصيل، وبشكل كامل، عمل السحاب.

وأخيرا، فإن الفلاسفة (بكونهم فلاسفة) يعانون من التفوق التوهمي Illusory Superiority، وهو تحيز ذهني يجعل الناس يبالغون في تقدير صفاتهم الإيجابية. ومرة أخرى، يعاني الفلاسفة من نوع شديد من ذلك. الفلسفة بشكل أساس هدامة. فمهما كنت تعتقد، بغض النظر عن مدى بدهيته أو أساسيته، وبغض النظر عن من أنت، أو أين تكون، أو متى، فهناك حجة فلسفية كبيرة أن معتقدك باطل. فليس هناك معتقد عميق أو تأسيسي لا تستطيع الفلسفة أن تنقضه (بما في ذلك مقولة [كوجيتو] ديكارت). وكثير من القابلين للتأثر بالتفوق التوهمي يظنون أنهم أعلى من المتوسط، إلا أن الفلاسفة يعتقدون أنهم متفوقون جدا، بحيث يدّعون أنهم المعاكس تماما لما هم عليه في الواقع: الهمج المخربون للعالم الفكري. أو بتعبير أفضل: الكويكب الذي بحجم جبل إفرست القادم والمندفع بسرعة باتجاه ما يقدّره الناس المحترمون all that decent people hold dear.

5. الفلسفة والمعترفون بالمرض Nonsognosiacs

المعترفون بالمرض Nonsognosiacs يعلمون أنهم يعانون من مرض أو إعاقة ما (المعترفون بالمرض كلمة من اختراعي). فكما رأينا، هناك بعض الفلاسفة الذين يعلمون فعليا أن الفلسفة لم تتقدم قط، أو على الأقل حذرين من ادعاءات التقدم المهم. واثنان منهم هما توماس ناجل Thomas Ngel و كولين ماجين Colin McGinn. فعملها المهم في هذا الموضوع، على التوالي The View from Nowhere (1986) و Problems in Philosophy (1993). وهنا، باختصار شديد نظريتاهما.

يجادل ناجل أن المشكلات الفلسفية غير قابلة للحل بسبب التفاعل التعارضي لوجهتي نظر ضروريتين وحتميتين: وجهة النظر الموضوعية ووجهة النظر الذاتية. فعلى سبيل المثال، من وجهة النظر الذاتية يبدو أننا نمتلك إرادة حرة، لكن من وجهة النظر الموضوعية يبدو أنه ليس لدينا الإرادة الحرة، بل تتقرر سببيا مثل أي شيء فيزيائي.

ويعمل العلم، بحسب رؤية ناجل، لأنه يُتناول من وجهة النظر الموضوعية. فمع أنه وجهة النظر الذاتية حقيقية، إلا أنها تُتجاهل في العلم، حتى عندما يدرُس العلمُ الوعيَ – الشرطَ الضروري لوجهة النظر الذاتية – فإنه يدرسه من وجهة النظر الموضوعية (وبالبداهة، ليس بنجاح كبير). والعلاقة بين صفة العلم المهمة من كونه عاما وممكن الوصول له من الجميع مرتبط بقوة بكونه ممارسا فقط من وجهة نظر موضوعية.

ويجادل ماكجين أن المشكلات الفلسفية غير قابلة للحل بسبب الطريقة التي تعمل بها عقولنا. فعقولنا [مصممة] بشكل أساس لمعرفة العالم. فهي تعمل بفعالية حيث يمكنها أن تلاحظ/ تميز discern مجالا من العناصر الأولية primitive التي يوجد ضمها مجموعا أو بناء يلزم عن العناصر الأولية. المشكلة أن المشكلات الفلسفية ليست مستجيبة amenable لمثل هذا التصور. كل المشكلات الفلسفية سهلة tractable من حيث المبدأ، لكن ليس لنا. فالأمر كما لو أننا طلبنا من سلحفاة أن تجري سباق المائة متر في أقل من 20 (أو حتى أقل من 60) ثانية. أو أن نطلب من قرد شمبانزي أن يعرف كيف يجمع بين نظرية النسبية العامة والميكانيكا الكمية في نظرية واحدة قابلة للاختبار.

وبناء على رؤية ماكجين يعمل العلم لأن استراتيجية "من أسفل إلى أعلى" التي تفضلها عقولنا قابلة للتطبيق على العالم العادي: الفيزياء والكيمياء والأحياء، وحتى علم النفس يبدو أنه يعمل بهذه الطريقة.

6. الفلسفة: تنوع من النسبية a riot of relativism

تبدو نظريتا ماكجين وناجل مختلفتين، إلا أن الفحص المتمعن لهما يظهر أنهما تنوع لفكرة واحدة. ومن هنا سنرى أنهما في الحقيقة متناقضتين.

من المهم لرؤية ماكجين فكرة أنه وإن كنا لا نستطيع حل مشكلات الفلسفة، إلا أنها في الحقيقة قابلة للحل، على الأقل من حيث المبدأ (1993, chs. 8 and 9, esp. pp. 128ff and 135-156) . وهذا ليس مجرد إمكانية منطقية، إنما هو إمكانية فيزيائية [واقعية] (ممكنة في هذا الكون، فبالتأكيد هو يعتقد أن جوانب من أدمغتنا قد حلت في الحقيقة بعض الفلسفة الرئيسية لمشكلات العقل، لكننا لا نستطيع الوصول إلى تلك المعرفة المزعومة ، pp. 135-143). ولذا هناك من حيث المبدأ، مجموعة من قدرات مادية [محسوسة] معرفية وذهنية يمكن أن تحل المشكلات الفلسفية. هذه المجموعة من القدرات تكوّن طريقة للحكم point of view والتي من خلالها يمكن حل المشكلات الفلسفية. فالبشر فقط بالصدفة لا يتلبسون بطريقة الحكم الصحيحة، أي يكون لديهم القدرات العقلية الصحيحة، لحل المشكلات الفلسفية. فرؤية ناجل هي بشكل مباشر عن تغيير طريقة الحكم. ولذا فكل من نظرية ماكجين ونظرية ناجل عن لماذا لا تتقدم الفلسفة قائمة على طريقة الحكم.

وبالتسليم بهذا التشابه، فمن السهل الآن أن نرى أن هاتين النظريتين متناقضتين. تقول نظرية ناجل:

هناك ثلاث طرق للحكم point of view. من طريقة الحكم الذاتية نحصل على مجموعة واحدة من الإجابات لأسئلة فلسفية، ومن طريقة الحكم الموضوعية نحصل على أخرى، وعادة مناقضة، ومن طريقة حكم ثالثة، التي من خلالها يمكن للشخص أن يرى إجابات طريقتي الحكم الموضوعية والذاتية كليهما، فيستطيع الشخص أن يرى أن الأجوبة الذاتية والموضوعية متساويين في الصدق valid ومتساويين في الصحة true. ولذا فالمشكلات الفلسفية مستعصية على الحل. فالفلسفة لا يمكن أن تتقدم لأنها لا يمكن أن تحلها.

تقول نظرية ماكجين:

هناك طريقتا حكم ذواتا علاقة. من واحدة، الرؤية الإنسانية، [رؤية الإنسان] مشكلات الفلسفة غير قابلة للحل. ومن الرؤية الأخرى، رؤية المغترب، المشكلات الفلسفية ممكنة الحل (وربما سهلة، انظر ch. 8, op. cit.) . فالحالة هنا هي نفس حالة الكلاب مع اللغة الإنجليزية. فنحن نفهم اللغة بسهولة. بينما الكلاب لا تفهم إلا القليل جدا من الكلمات، ويبدو أنها لا تعلم شيئا عن التركيب التوافقي [الاندماجي] combinatorial syntax. ولذا، ومع أنه من غير المحتمل أنه يمكننا حل أي مشكلات فلسفية، إلا أنها ليست مستعصية على الحل بطبيعتها. وعندئذ نرى أن ناجل يرى أن [مشكلات] الفلسفة غير قابلة للحل بطبيعتها: أي ذكاء إنساني، كائن واعي سيكون عالق [متورط] في الفلسفة، بشرط أن يفكر في أي منها. ويوجد هناك طريقة حكم يمكن رؤية هذه الحقيقة من خلالها. ماكجين ينكر ذلك. فهو يعتقد أن الفلسفة هي فقط غير قابلة للحل داخليا [محليا] locally. فالكائنات الأجنبية يمكن أن تجد بسهولة المشكلات الفلسفية بدهية الحل. هناك طريقة حكم من خلالها تكون المشكلات الفلسفية قابلة للحل.

ناجل وماكجين بالطبع يمارسان ما بعد الفلسفة metaphilosophy . وبشكل معقول فما بعد الفلسفة تُعد فلسفة. ولذا فلدينا هنا حالة تصورية [برادايم] paradigm case تعرض صفة تشترك فيها الفلسفة مع العلم: منظّران يختلفان حول تفسيراتهما (في هذه الحالة عن لماذا لا تتقدم الفلسفة أو لا تستطيع أن تتقدم ). ولكن حيث أن هذه فلسفة، فنستطيع أن نتنبأ بأنه لن تتغلب واحدة من النظريتين [على الأخرى]، حتى في عقول الأجيال القادمة.

لكن انتظر! أليس هذا غير صحيح؟ إذا ظهر غريب من الفضاء وأعطانا الحل لمشكلاتنا الفلسفية، فسيتم إثبات صواب ماكجين وخطأ ناجل. لكن ماكجين ينكر أنه يمكن أن يحدث ذلك: فلن نفهم حلولهم. مرة أخرى، فكر في إعطاء الكلاب حلنا لصنع لعب الكلاب (المصانع، مواد صناعية، ألياف غير ضارة، بلاستيك إلخ). فلن تفهمها الكلاب، وهذا أقل ما يقال. والحجج، على أي حال، هي حول ما يجب أن تعتقد الآن. وبالطبع، يمكن أن نستيقظ غدا بفهم مفاجئ لمشكلة الإرادة الحرة / الجبرية. لكن إن سألنا اليوم ماذا يكون الفهم، فسنكون نمارس الفلسفة ولن نصل إلى أي مكان.

إذن ناجل وماكجين يمارسان الفلسفة، وبناء على ذلك فلن نعرف أيٌ من نظريتيهما صحيحة، إذا كان أي منهما كذلك. فمن وجهة نظر ناجل فالانقسام بين الذاتي والموضوعي غير قابل للتجسير، وهو مصدر كل الفلسفة، وهو غير قابل للحل. ومن وجهة نظر ماكجين هناك طريقة حكم من خلالها تكون مشكلات الفلسفة قابلة للحل، وبالتأكيد تُحل are solvable, indeed, solved.

أرى من مكاني الصدام بين نظريتي ناجل وماكجين على أنه صدام بين وجهات النظر تعممه نظرية طريقة الحكم لناجل: كل مشكلات الفلسفة، وفي الحقيقة، [بالتأكيد] أي شيء يبدو مثل تقدم فلسفي يمكن أن يعرض على أنه صدام بين وجهات النظر في قضية محددة. من طريقة حكم نحصل على إجابة، ومن رؤية أخرى نحصل على إجابة أخرى، وعادة مناقضة. تحدد نظرية ناجل طرق الحكم هذه للوجهات النظر الذاتية والموضوعية، لكن التحديد يمكن أن يخفف.

على سبيل المثال، تأمل حالة مشهورة من تأريخ الفلسفة. منذ وقت مضى، كان يُعتقد أن كل الحقائق الضرورية يمكن معرفتها قبليا. فإذا كانت أ = ب حقيقة ضرورية فإنه يمكن معرفتها دون بحث للواقع. لكن الأشياء البعدية الصحيحة مثل الماء = H2O والتي لا يمكن معرفتها دون استكشاف الواقع، يجب أن تكون صحيحة إمكانا. وقضية هوية الممكن كانت متفق بشكل كبير على صحتها، ووجدت استخداما ثابتا في فلسفة العقل، حيث ساندت المذهب الطبيعي. وفي عام 1970 غيّر ساول كريبكي كل ذلك بتوضيح أن الهويات الممكنة ليست عادة شيئا من ذلك القبيل. وبافتراض أن "أ" و "ب" أسماء لأنواع معينة (ما سماه كربك المحددات الصلبة rigid designators – الأسماء التي تعين نفس الشيء في كل العوالم الممكنة)، فإذن أ = ب يجب أن تكون ضرورية. وعادةً "أ" و "ب" محددات صلبة. لذا فالهويات عادةً ضرورية، فالهوية الممكنة نادرة تكاد تختفي، بحسب كربكي. وبالتالي، فيجب أن يكون هناك حقائق ضرورية، مثلا، الماء = H2O ، التي يمكن معرفتها فقط بعديا. وإحدى الحجج التي استخدمها كربكي لبناء قضيته ضد الهوية هي الآتي. فكر في طاولتك. أنصار الهوية الممكنة مغرمون بقول أشياء مثل "كان يمكن أن تكون الطاولة مصنوعة من الثلج، لكنها لم تكن كذلك، ولذلك فإنه بشكل محتمل صحيح أن طاولتك مصنوع مما هي، الخشب، لنقل؛ وعليه يوجد هوية ممكنة هنا." لكن، كما أوضح كربك، فهذه الطاولة (هنا أنت تشير إلى طاولتك) لم يكن من الممكن صناعتها من الثلج، هذه الطاولة مصنوعة من الخشب. لو كانت طاولتك مصنوعة من الخشب لما كانت لتكون هذه الطاولة. وباستخدام اسم الإشارة (هذه) فإن كربك كان يغير طريقة الحكم في الجدل حول الهوية الممكنة: فكان يجبر القارئ على التفكير في هذه الطاولة بعينها، بدلا من طاولة تعتبر فقط تحت الوصف "طاولتي". وجهة النظر الكربكية [نسبة إلى كربكي] (ك) لهذه الطاولة بعينها تركز القارئ على الطاولة بوصفها شيئا بنفسها، بدلا من الطاولة بوصفها تقع تحت وصف ما، مثل "طاولتي"، حيث عليها أجلس وأكتب. ومن وجهة النظر (ك) فإن الطاولة تُدرك بمعزل عن كل الأوصاف، بينما من وجهة نظر الأوصاف تُدرك الطاولة تحت الوصف. وبشكل أساس، فقد أوضح كربكي أن أنصار هوية الممكن كانوا مخطئين بالتفكير فقط بالأشياء التي تحت الوصف ولم يفكروا قط في الأشياء كما كانت في نفسها وبنفسها. إن تغيير طريقة حكم كربكي كان له أثر هائل في الفلسفة، لكنه ليس تغييرا بين طريقتي الحكم الذاتية والموضوعية المطلوبة من نظرية ناجل. فأمثلة مثل المثال الكربكي توجد في كل مكان في الفلسفة، وهي مسؤولة عن الكثير منها. ونستطيع أن نرى إذن أن هناك تغيرا في طرق الحكم أساسي للفلسفة أكثر من تلك التي بين طريقتي الحكم الذاتية والموضوعية. والتغير بين وجهتي نظر ناجل وماكجين مثال آخر (للمزيد من هذا المثال انظر Dietrich and Hardcastle, 2004, esp. ch. 6). (يجب أن أوضح أنه بقدر ما كان نقض كربكي لهوية الإمكان جاذبا ومهما، حيث إنها الفلسفة، فقد عادت هوية الإمكان (انظر مثلا، Gibbard, 1975) وإلى هذا التأريخ فكلا التوجهين للهوية قائما ويعملان، طبيعيا.)

فالفلسفة إذن تنشأ بوصفها تنوعا a riotمن النسبية. فالرؤى التي تتعارض بشكل صريح كلها معقولة بنفس القدر. فكل ما على الإنسان أن يتبنى طريقة الحكم الصحيحة ليرى أولا إجابة واحدة لمشكلة فلسفية ثم، بتبني طريقة حكم أخرى يرى الإجابة الثانية المعارضة.

هناك الكثير من العمل الذي يجب أن يعمل في موضوع طرق الحكم، عمل مطلوب قبل الغرابة weirdness التي هي الفلسفة يمكن أن تفسر وتُفهم. لكننا الآن نعلم هذا جيدا: في الفلسفة وجهات النظر المتصادمة لا يمكن تفاديها، ووجودها هو الحقيقة الوحيدة. ولذلك فالفلسفة لا يمكن أن تتقدم.

(طرق الحكم لا تزول عندما نمارس العلم. لكن كل الرؤى ذات العلاقة ترتبط بنفس العائلة، ولذا تنتمي وتتعاون على الأقل على المدى البعيد. إنه من الصعب جدا وصف تلك العائلة، إنها ليس فقط عائلة طرق الحكم الموضوعية، مع أنها ذلك. العَلَن public ، إمكانية الإعادة والموضوعية مصطلحات فقط تصف جزئيا هذه العائلة. أرجو أن أجد ما أقوله حول هذا في المستقبل).

7. من يفهمني في النهاية يُقر بأني مصيب .. ومخطئ

في الفقرة 54-7 من كتابة تحقيقات فلسفية Tractatus يقول فتجنشتاين،

قضاياي واضحة بهذه الطريقة: من يفهمني في النهاية يقر بأنها recognizes them دون معنى senseless ، عندما يتسلق خلالها وعليها وفوقها (يجب عليه، بعبارة أخرى، رمي السلم بعيدا بعد أن يتسلق عليه.)

فما لا نستطيع الحديث عنه يجب أن نمر عليه بصمت.

نفس الشيء هنا، وأنا صامت مثلما كان فتجنشتاين. فشرحي لماذا لا تتقدم الفلسفة ولا تستطيع أن تتقدم - (وجهات النظر المتصادمة لا يمكن تفاديها في الفلسفة) - هو نوع من الفلسفة. ولذلك، بالطبع، فلن تُقنع المصابين بداء إنكار المرض. ولن تقنع أيضا من يقرون بالمرض، مثل ناجل وماكجين، الذين تختلف نظريتهما عن نظريتي (واتحاد هاتين المجموعتين ربما يكون كل أحد إلا أنا). ولن تُعرف أبدا حقيقة لماذا لم تتقدم الفلسفة قط.

ولزمن طويل من الآن، وبعد ذهاب البشر، ربما ستبقى طرق الحكم. وربما سيظل ذكاءات فائقة موجودة – ظرف كافٍ لطرق الحكم. وربما ستوجد في مكان آخر في الكون ربما سنكون قد أوجدنا أحفادنا (Dietrich, 2007). وبغض النظر، يمكن أن نكون متأكدين من هذا: إذا كانت طرق الحكم لا تزال موجودة فستبقى الفلسفة – نفس الفلسفة عينها التي نتصارع معها الآن، وعين الفلسفة التي تصارعنا معها لكل القرون الماضية.