المرأة في القرآن تقدير إيمان الأنثى، وحكمتها، وعلمها

 

المرأة في القرآن

تقدير إيمان الأنثى، وحكمتها، وعلمها

 

د. سيلين إبراهيم.

ترجمة : أ. زينب صلاح.

مترجمة، ومهتمة بشؤون المرأة المسلمة.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

عن المؤلفة:

عضو هيئة التدريس في قسم الدراسات الدينية والفلسفة بمدرسة جروتون، ومؤلفة كتاب: "النساء والجندر في القرآن". وهي حاصلة على الدكتوراة من جامعة برانديز، وماجستير في اللاهوت من جامعة هارفارد، وبكالوريوس في الآداب من جامعة برينستون.

غالبًا ما نجد في قصص القرآن صورًا لنساء يتمتعن بحكمة بارزة وعزيمة وتقوى، وقوة في الشخصية. ورغم أن غالبية قصص القرآن ترتبط بالرجال، إلا أن أكثر من اثنتي عشرة شخصية نسائية ظهرت أيضًا في التاريخ القرآني المقدس. يسلط هذا المقال الضوء على بعض الفروق الدقيقة في تصوير الله سبحانه لنماذج من النساء. وعلاوة على ذلك، فإن النظر في نماذج النساء في القرآن يدعو إلى منظور جديد حول تراث المعلمات والعالمات بالدين لدينا.

 

{ أفلا يتدبرونَ القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالُها } (محمد: 24).

إن القرآن كتاب به تفصيل كل شيء، من الأمور الكونية إلى الأمور الدنيوية، كما قال تعالى: { ونزَّلنا عليكَ الكتابَ تبياناً لكل شيءٍ وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين } (النحل: 89)، وهو كلام الله الذي أنزله بواسطة جبريل على رسوله ليوصله للبشرية، إنه أحسن الحديث كما قال تعالى: { اللهُ نزَّل أحسنَ الحديثِ كتاباً مُتشابهاً مثانيَ تقشعرُ منه جلودُ الذين يخشون ربهم } (الزمر: 23). وإننا كمسلمين نسعى إلى مقابلة القرآن بوصفه كلامًا {من ربِّ العالمين} (يونس: 37)، لنحظى بالهداية والمنافع الروحية والعاطفية والنفسية والفكرية الأخرى؛ فالقرآن ملآن بالإمكانيات العظيمة .

تشرح كثيرٌ من الكتابات الإسلامية حول النساء في القرآن الأحكامَ والقواعد الخاصة بالنساء من خلال الرؤية القرآنية. وهذا يساعدنا على معالجة أسئلة مثل: كم زوجة يمكن أن يتزوجها زوجي؟ وكيف يجب أن ألبس وأتصرف؟ وما المدة التي يجب أن يرضع فيها طفلي؟ ومن المسؤول عن النفقة على طفلي؟ لكن إذا قصَرنا القرآن على كتابٍ يُقسِّم المسؤوليات وفقًا للقواعد الاجتماعية بحسب النوع - وتوقفنا عند هذا الحد فيما يتعلق بالتفكير في هداية القرآن، فإننا سنفقد فرصًا لأنواع أخرى من الرؤى حول المرأة. تلك الرؤى التي يمكن التوصل إليها بالتأمل في التفاصيل الدقيقة للآيات القرآنية وآثارها، وهي طريقة الارتباط بالقرآن المعروفة بالتدبر (انظر على سبيل المثال، النساء: 82، المؤمنون:68، ص: 29 ، محمد: 24) .

وإحدى الطرق للمشاركة بصورة أعمق في موضوع الأنوثة مثلا هو النظر في شخصيات قصص القرآن. لقد أمضيت كثيرًا من الوقت لعدة سنوات في الدراسة والتفكر في أكثر من ثلاثمائة آية تذكر نموذجًا نسائيًّا معينًا أو مجموعة من النساء. وتساءلت بصدق: "كيف يتحدث الله عن النساء وكيف يخاطبهن؟". فوجدتُ أن شخصيات النساء تظهر في قصص الفتح، والتفاني للأبناء، والجاذبية الرومانسية وغير ذلك؛ فلا يوجد معيار واحد، ولا شخصية أنثوية نموذجية. [تأتي] المرأة في القرآن باعتبارها مجموعة، كتقيَّة وفاسقة، ومتبصرة وجاهلة، ومتحكمة ومتهيِّبة، وكبيرة وصغيرة، ومشهورة ومغمورة، ومتزوجة وعازبة، وحاكمة ومحكومة، ووَلود وعاقر، وهكذا: ليس ثمة امرأة نموذجية. ففي بعض المواضع، يمتدح الله شخصيات معينة من النساء، وفي مواضع أخرى، يوبخ الله الأخريات على سلوكهن.

ورغم أنه لم يُذكَر اسم امرأة في القرآن صراحة باعتبارها نبيًّا أو رسولا، إلا أن القرآن يصور شخصيات النساء وفطنتهن وامتيازهن الروحي. ففي كثير من الحالات، سمع الله احتياجات النساء والفتيات ورغباتهن في قصص القرآن. تتحدث المرأة مع رسل الله من الملائكة، وتتعبد المرأة لله كثيرًا، وإحدى النساء على وجه الخصوص، هي التي أتت "بكلمة" الله إلى العالم. وفي إحدى الآيات، تعبّر مريم (عليها السلام) بأسلوب مؤثر عن آلام المخاض: {قالت يا ليتني مِتُّ قبلَ هذا وكنتُ نسياً منسياً} (مريم: 23). تعبر هذه الآية بأسلوب مؤثر عن المشقة والألم الذي تعاني منه النساء في كثير من الأحيان أثناء الولادة، ولكنها أيضًا تجسد نضالها المتمثل في حمل "كلمة" من الله (آل عمران: 45). وبالبحث في قصص ابتلاءات وانتصارات الشخصيات النسائية بهذه الطريقة، يمكننا ملاحظة كثير من التوافق بين شخصيات الإناث والذكور.

في الواقع، يُسلَّط الضوء على كثير من الشخصيات النسائية باتصافهن بصفات مثل الفطنة، أو إخلاص العبادة، أو القناعة والشجاعة، أو درجة قربهن من الله. وتخصص بالذكر لتكون بمثابة نماذج (إيجابية وسلبية). إن قصصهن تساعدنا على غرس الفضائل. فالتأمل في تجربة المخاض لدى مريم علیها السلام مثلا، يمكن أن يؤدي إلى زيادة التعاطف مع النساء اللاتي يواجهن هذه المهمة العجيبة على نحو استثنائي بل يرغبن أيضًا جسديًّا وعاطفيًّا في مهمة الولادة. إن التجربة المجسدة للولادة هي بالضرورة تجربة أنثوية فريدة، ولكن حتى قراء القرآن من الذكور ينطقون بصرخات حزينة لامرأة أثناء المخاض بإعادة تلاوتهم لكلام مريم.

إن مثل هذه الأبعاد المؤثرة المحتملة للقصص القرآنية هي المفتاح. تقارن الباحثة القرآنية كارين باور (Karen Bauer) بين آلام ولادة مريم والألم الذي تعاني منه والدة موسى [عليه السلام] عندما تضطر إلى إلقاء طفلها [في اليم] لإنقاذه من جنود فرعون. تلاحظ باور كيف تحتوي كلتا القصتين على قوة مؤثرة لمن يتلقى القرآن:

«هنا يخفف الله من المعاناة الجسدية والعاطفية، وينقل هؤلاء النساء المقتدى بهن إلى حالة من الرجاء والطمأنينة، وفي نهاية المطاف إلى معرفة عدل الله ورحمته. وكل منهما تثبت خضوعها لله واستعدادها لتنحية كل الارتباطات العاطفية الدنيوية جانبًا لتنفيذ أوامره. ويتم اصطحاب المستمِع في [تلك] الرحلة العاطفية، مما يسمح له بالشعور بالطمأنينة التي يصلن إليها» .

في هذه القصص، يخفف الله من المحن الشديدة التي تتعرض لها النساء التقيَّات. وما زال يجب على المرأة التقيَّة أن تتحمل المصاعب، ولكن معاناتها يقابلها اطلاع الله وعونه .

توضح مثل هذه القصص القرآنية صفات الله وتبني صورة من صور التأكيد لمن يتلقى القرآن على أنه يمكنهم أيضًا الاختصاص بهذه العناية. وفي نهاية المطاف، تؤدي إعادة النظر بانتظام إلى هذه الشخصيات النسائية في سياق ممارسة الشعائر التعبدية إلى تغيير من كان له قلب. إذ تولد الآيات القرآنية تأثيرات على القراء والتالين والمستمعين: فعلى سبيل المثال، يتولد التعاطف عند التفكر في قصة الصراع العاطفي للأم التي تُفصل بالقوة عن طفلها. ويمكن أن تدفعنا مثل هذه القصة القرآنية إلى العمل عندما تُبعِد الحكومات الأطفال عن عائلاتهم مثلًا. وعلى صعيد آخر، فإن وحي الله لأم موسى -علیهما السلام- يؤكد إيمانها وثقتها بأن وعد الله سوف يتحقق (القصص: 7). وهذا درس عام حول فعالية دأب الصبر.

إن الشخصيات النسائية عمومًا تقية على نحو استثنائي ومستقيمة أخلاقيًّا. فمثلا، تحتوي آيات قرآنية متعددة على تضرع الإناث إلى الله. وحتى ذكر قصة امرأة عزيز مصر، إلى أن [نقطع] أكثر من ربع طريق تلاوة القرآن من البداية، كل الأمثلة التي تتحدث فيها الشخصيات الأنثوية تتمثل في الدعاء أو تتعلق بطريقة ما بالثناء على الله.

تتحدث شخصيات نسائية عديدة بكلمات التقوى وتتضرع إلى الله بنفس الكلمات التي تتحدث بها الشخصيات النبوية. فمثلا، تدعو امرأة فرعون -علیها السلام- بنفس المصطلح الذي يدعو به ابنها المحتضَن موسى -علیه السلام- عند هروبه من مصر. كلاهما يدعو، {ربِّ نجني من القوم الظالمين} (القصص: 21، والتحريم: 11). وتتحدث مريم وملكة سبأ أيضًا بطريقة تشبه -أو حتى بنفس طريقة- كلام الأنبياء.

على سبيل المثال، أنهت ملكة سبأ حديثها بالتوجه إلى الله، والاستغفار، والاعتراف بخضوعها (النمل: 44) - بنفس الكلمات التي قالها نبي الله موسى في الدعاء اللاحق (القصص: 16) {ربِّ إني ظلمتُ نفسي}. وكذلك عندما واجهت مريم علیها السلام بشَرًا "سويًّا" في محرابها الخاص، صرخت على الفور: {أعوذ بالرحمنِ منك إن كنتَ تقيًّا} (مريم: 18). وبنفس الطريقة عندما طوَّقت امرأة العزيز نبي الله يوسف -علیه السلام-، قال: {معاذ الله} (يوسف: 23). يسمي القرآن مريم {صِدِّيقة} (المائدة: 75) وكذلك يوسف {الصدِّيق} (يوسف: 46).

كما يُذكَر كلام مريم وكلام نبي الله زكريا موضوعيًّا جنبًا إلى جنب في عدة مواضع في القرآن. فمريم التي تتحدث مع الملائكة وتصرخ في ألم الولادة مثلا، تلتزم الصمت فيما يتعلق بالدفاع عن شرفها ضد تهمة الفجور؛ ونذرها بالصوم عن الكلام صدى موضوعي لصوم كافلها زكريا عن الكلام [حينما جاءته البشارة بولادة يحيى عليهم جميعاً السلام]. كان كلا النموذجين معبرين أمام الله سبحانه، ولكن كان يجب أن يلجئا إلى الإشارة أمام قومهما.

وبعيدًا عن موضوع الوعظ العام، لم ألاحظ أي سمات مميزة لخطاب الأنثى في القرآن تميزه عن خطاب الذكر. وعموما، غالبًا ما تتحدث النساء في القرآن بنفوذ وبصيرة وفطنة؛ وفي مناسبات نادرة، يكون لخطاب الإناث أهدافٌ مشينة. كما أن امرأة العزيز وملكة سبأ -كلتا المرأتين الأرستقراطيتين اللتين صُوِّرت رحلة كل منهما من الباطل إلى الحق- كانتا أكثر النماذج كلامًا.

لا يبدو عمومًا أن خطاب النساء أكثر أو أقل في التأثير أو التكوين العاطفي من خطاب الرجال. إذ تعبر شخصيات نسائية متعددة عن أفكارها بوضوح وفعالية في المواقف الصعبة؛ فأخت موسى، وأمه الحاضنة [امرأة فرعون]، وملكة سبأ يتحدثن جميعًا بنُبل في الظروف الصعبة. وفي بعض الأحيان، تتعثر الشخصيات النسائية في الكلام عندما يتفاجأن. فتعرب [سارة] زوجة إبراهيم -علیهما السلام- عن دهشتها من احتمال إنجاب طفل في شيخوختها بتعبير مفاجيء: {يا ويلتى} ! (هود: 72). وفي ردها على تلقي رسالة إلهية تبلغها بالحمل، تصرخ وهي تصكُّ وجهها (الذاريات: 29). وكذلك نموذج نسائي آخر على المفاجأة: عندما واجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إحدى زوجاته لإفشائها سرًّا، ردَّت -رضي الله عنها- بقولها: {من أنبأك هذا} ؟ (التحريم: 3).

في سرد هذه الحادثة، تبدأ سورة التحريم بخطابات حازمة للنبي صلى الله عليه وسلم واثنتين من زوجاته. ويتوعد الله وعيدًا عظيمًا بالانتقام إذا تآمرت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عليه (التحريم: 4-5). كانت زوجتا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في وضع تملكان فيه الوكالة ضمنيًّا لاختيار أحد الطرفين (الصالح أو غير الصالح) الذي ستتبعانه. ورغم تحذير سورة التحريم الشديد للزوجتين، إلا أن هناك جانبًا من التوازن بين الجنسين في شخصيات الزوج والزوجة ذكره الله فيها. إذ تبدأ السورة بزوج (النبي محمد صلى الله عليه وسلم) في حاجة إلى عون الله، لكنها تشير أيضًا إلى امرأة صالحة (امرأة فرعون) تطلب عون الله على زوجها (التحريم: 11). حتى أن السورة تُختتم بتعظيم المرأة الصالحة التي ليس لها زوج على الإطلاق [مريم عليها السلام].

كما تصور سورة التحريم امرأة نوح وامرأة لوط بصورة لا لبس فيها بوصفهما مثالين سلبيين للمؤمنين: { كانتا تحت عبدينِ من عبادنا صالحينِ فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئاً}. (التحريم: 10). وتتلقى امرأة نوح وامرأة لوط أمرًا إلهيًّا في القرآن، ولكن على عكس النساء اللاتي يخاطبهن الله أو الملائكة، فإن الأمر الإلهي لامرأة نوح وامرأة لوط الخائنتين يأتي في صيغة المبني للمجهول دون متحدث معروف: {وقيلَ ادخلا النارَ مع الداخلين} (التحريم: 10).

إن الخطاب الأخروي الموجه لهاتين المرأتين يقابل [خطاب] كثير من النساء الأخريات اللاتي يتلقين التوجيه والتشجيع. والنبذ السلبي لهذين النموذجين يؤكد أيضًا طبيعتهما البغيضة لـ "خيانة" "عبدين..صالحين". وهذان النموذجان الأنثويان لا يثيران الدناءة على المستوى الفردي فحسب؛ بل إن شخصياتهما بالأحرى توازي الظلم المنتشر لدى قومهما. فلم تقع الإدانة على أقوام في القرآن كثيرًا بقدر ما أدينَ قوم نوح ولوط .

إن امرأة العزيز هي الشخصية الفاتنة الوحيدة في القرآن. وهي مثال واضح على سوء السلوك الجنسي في مقابل خلفية من الشخصيات الأخرى للنساء العفيفات. ومع ذلك، فيمكن اعتبار إحدى الآيات التي تنطوي على خطابها تأكيدًا على سرعة بديهتها. إذ تُروى لحظة الذروة على النحو التالي:

{ واستبقا البابَ وقدت قميصَهُ من دُبرٍ وألفيا سيدَها لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يُسجنَ أو عذابٌ أليم } (يوسف: 25).

في هذا المثال، تشير امرأة العزيز إلى نفسها باستخدام التعبير الملطف "أهل"، وهو مصطلح يمكن أن يعني زوجة شخص معين ولكنه يمكن أن يشير أيضًا إلى الأسرة أو المنزل على نطاق أوسع. وبهذه الطريقة فإن سؤالها: ما جزاء من أراد بزوجتك سوءًا؟ يحمل مغزى: "ما جزاء من أراد بعائلتك سوءًا؟" وبهذه الكلمات، يلفت خطابها الانتباه إلى الطرق التي يرتبط بها رأس المال الاجتماعي للرجل في النظام الاجتماعي الأبوي، بقدرته على حماية وضمان السلامة والكرامة الجنسية للنساء الواقعات تحت مسؤوليته. وبالتالي فهي لا تلقي الاتهام على يوسف علیه السلام بخداع فحسب، بل إنها تفعل ذلك باستخدام لغة من شأنها أن تحقق غرضها البشع على أفضل وجه. إنها ليست الأنثى الوحيدة في القرآن التي تستخدم سرعة بديهتها، لكنها الأنثى الوحيدة التي تستخدمها لأهداف مشينة بوضوح. ويمكن أن يدفع كلامها القاريء أو التالي أو المستمع إلى التفكر مليًّا في مصداقية حديثه.

تتضمن كثير من قصص القرآن شخصيات نسائية وتقدم للمؤمنين لحظات من التأمل في النفس. والتركيز على قصص النساء في القرآن يمكن أن يوفر الغذاء الروحي وكذلك يمكن أن يساعد في ربط المسلمين بتاريخنا المقدس. وهذا صحيح خصوصًا عندما نواجه أحيانًا صعوبة في العثور على نساء أخريات في مناصب ذات سلطة دينية يمكننا أن ندرس عنهن مباشرة.

في دراساتي المبكرة عن الإسلام، كنت مفتونة بالإصلاحات الاجتماعية الكثيرة التي وضعها القرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لصالح النساء والفتيات. وكانت لدي توقعات كبيرة حول كيفية تأثير هذه المباديء على شخصية الدين وروحه كما تطورت على مر القرون. وقد أثار اهتمامي وفرة المعلمات، ودورهن الأساسي في نقل المعرفة الدينية، والقصص العديدة لنساء بارزات دعمن ماليًّا وأسسن روحيًّا بواكيرَ المجتمع الإسلامي.

إن القراءة عن أمثال خديجة بنت خويلد، وأم الفضل (لبابة بنت الحارث)، وعائشة بنت أبي بكر، وأم سلمة (هند بنت أبي أمية)، وسِيَر شخصيات أخرى من النساء الأوائل، أشعلت في داخلي الرغبة في إيجاد طريقة للمساهمة ولو بالقليل في استدامة ودعم مجتمع نابض بالحياة من التعلم والنمو الروحي. وقد أردتُ -كمحِبَّة للكتب- أن أقرأ كتابات نساء بارزات عبر التاريخ الإسلامي. كنت آمل أن أجد امرأة أستطيع أن أدرس لُباب الدين تحت قدميها.

أين هي هذه الأعمال؟ وأين كانت مثل هؤلاء المعلمات؟ كان الرف ضعيفًا، وكانت إمكانيات هذه الوظيفة محدودة نوعًا ما. وفي السنوات الأخيرة، بدأت العالمات في لعب دور هامشي قليلًا في إنتاج أعمال العلوم الإسلامية، وصارت الاتصالات الفورية تجعل التعلم الإسلامي ممكنًا عبر المسافات. ومع ذلك، فإنني ألتقي بانتظام بشابات يكافحن ليجدن لأنفسهن انعكاسًا في التراث الفكري الإسلامي، ويكافحن لإيجاد نقاط توصلهن بالتراث الحي للدراسات الإسلامية.

ولا شك أن المسلمين استفادوا منذ ظهور المجتمع الإسلامي الأول من العالمات اللاتي ساعدن في تأسيس تراث علمي والحفاظ عليه ونقله. فعمل العالمات على توضيح المعرفة الدينية ونقلها ليس سمة من سمات الحداثة على النمط الغربي والتي تبناها المسلمون في لحظة التنوير أو كرد فعل على الخطابات الحديثة حول حقوق المرأة. وفي الوقت نفسه، تميل العالمات المسلمات إلى التخصص في تخصصات العلوم الإسلامية التي تركز على النقل (مثل الدراسات الحديثية) وليس على التخصصات التي تدعو إلى التأليف . ولذلك، بغض النظر عن العالمات المعاصرات، يصعب ملء الرف بأعمالٍ لعالمات في الدين.

يمكن للمؤرخين أن يشهدوا على إرثٍ واضح للعالمات المسلمات، وهو جانب من جوانب الثقافة والمجتمع الإسلامي يمكن الاحتفاء به، لكن إرثهن (لدينا) هامشيٌّ مقارنة بالعدد الهائل من الأعمال التي ألفها الرجال. لقد أعاقت الصراعات الاجتماعية والسياسية المؤسساتِ التي تدعم التعلم الإسلامي مباشرة في أعقاب الاستعمار الأوروبي، ومما لا شك فيه أن تعليم المرأة وبثها [للعلم] تدهور تبعًا لذلك. ولكن لا يمكن أن تُعزى الديناميات التي تحد من مشاركة المرأة في المشروع العلمي إلى الاستعمار وحده. فحتى قبل وصول الحداثة على نمطها الأوروبي، نادرًا ما كانت النساء مؤلفاتٍ لأعمال علمية حتى لو كنَّ متعلمات وأحيانًا معلمات بارزات. على سبيل المثال، كم عدد أعمال التفسير القرآني التي يمكنك تسميتها؟ وكم منها كتبته النساء؟. يمكن ملاحظة ظواهر مماثلة في التخصصات الأخرى لإنتاج العلوم الإسلامية.

وقد قادني هذا الموقف المتعلق بنقص الوصول إلى المخرجات العلمية للمرأة -كطالبة حديثة في مجال المعرفة الإسلامية- إلى مزيد من البحث: هل يمكن أن يُعزى التهميش النسبي للعالمات حقًّا إلى عوامل اجتماعية، مثل المعايير الجنسانية لإتاحة التعلم الإسلامي والتوقعات المبنية على النوع حول تصرفات المرأة ومعيشتها، أم هل تُعزى ندرة أصوات النساء في صفوف المؤلفين والمفسرين المؤثرين بصورة مقنعة إلى عوامل جوهرية تتعلق بقدرة المرأة المحددة إلهيًّا على المعرفة والبصيرة الدينية؟ وهل تصوير الله لشخصيات النساء في القرآن يقلل عمومًا من كفاءتهن الروحية أو الفكرية؟ كان عليَّ أن أطرح هذا السؤال وأجيب عنه بصدق.

وبعد الانخراط في التصوير القرآني للمرأة بعمق على مدى عدة سنوات، وكذلك البحث في مساهمات المرأة في التاريخ الفكري الإسلامي، أرى عدة عوامل اجتماعية وثقافية قيدت دراسات المرأة. وفي المقابل، عندما تأملت القرآن بالتفصيل على مدى هذه السنوات نفسها لفهم كيف يصف الله -العليم- الإمكانيات الفكرية والروحية للمرأة، ما زلت أجد أن القرآن يؤكدها تمامًا - ولا يحط من قدرها أو يضعف الثقة فيها.

ولم أجد إثباتًا لفكر المرأة وكفاءتها الروحية فحسب، بل وجدت معلِّماتٍ أيضًا. ففي سياق هذا الاستكشاف، كان الأمر كما لو أن الشخصيات النسائية في القرآن أصبحن مباشرة هن المعلمات اللاتي كنت أتوق إلى العثور عليهن في بحثي عن التعليم الإسلامي. وقد "قابلتُ" بعضهن للمرة الأولى؛ فبطريقة ما لم تصلني قصصهن في كل المحاضرات التي حضرتها. فيما أظهرت لي أخرياتٌ جانبًا من أنفسهن لم أره في اللمحات الخاطفة السابقة. وحتى القلة من الشخصيات النسائية الفاسدة في القرآن كان لديهن دروس تحذيرية لينقلنها [إليَّ].

لقد أتاح لي الارتباط بكلام الله عن هؤلاء النساء إمكانية طرح مزيد من الأسئلة الوجودية حول الأنوثة، وقيمة المرأة، وكرامتها. على سبيل المثال، "هل القرآن يؤكد إيمان المرأة وحكمتها وعلمها بطرق لم تُقدَّر بالكامل حتى الآن؟" أعتقد أن الإجابات على هذا السؤال المركزي لها آثار على البحث المعاصر حول القرآن وأيضًا على مفاهيم الجندر في السياقات المجتمعية الإسلامية. وربما الأهم من ذلك هو أن قصص النساء في القرآن يمكن أن تؤثر على الطريقة التي ننظر بها نحن كنساء إلى أنفسنا وقدراتنا الفكرية والروحية.

ومن خلال أولئك المعلمات غير المتوقعات، [أعني] الشخصيات القرآنية، بدأت أرى وأقدِّر الفروق الدقيقة حول صور النساء في القرآن. لقد أدركتُ أن القرآن غالبًا ما يتعامل مع الشؤون التي تهم المرأة مباشرة بطريقة تتمحور حول المرأة، حتى عندما تُظهِر بعض الشخصيات (مثل امرأة العزيز، على سبيل المثال) عيوبًا في الشخصية. وتمثل الشخصيات النسائية في مخالفاتهن، سواء كانت طفيفة أو خطيرة، وكذلك في شهامتهن، تذكيرًا بكيفية التعامل مع الصراعات البشرية وتطوير الشخصية الأخلاقية. لقد عمَّقَ التصوير القرآني للشخصيات النسائية في لحظات الكفاح تقديري للطرق التي يمكن بها لخطاب الله الأحكم والأبلغ، أن يُطَمئِن قلوب طالبي العلم والتقوى. إن قراءة قصص الشخصيات النسائية وإعادة قراءتها يقوي رغبتي في الاقتراب أكثر من الرحمن الرحيم، والقدير الحكيم الكريم.

يمكن لتجديد الاهتمام بالنساء في قصص القرآن أن يساعدنا كمجتمعات مسلمة على تقدير المرأة بصورة أفضل في التاريخ الإسلامي المقدس. كما أن تقدير هؤلاء النساء يمكن أن يوفر بدوره حافزًا للتعرف بصورة أفضل على المساهمات المتكاملة التي تقدمها النساء بانتظام كمعلمات ومستشارات وعالمات في الدين في مجتمعاتنا المعاصرة أيضًا إن شاء الله.