العقل والكون : لماذا التصور الدارويني المادي للطبيعة زائف تمامًا تقريبًا ؟ للفيلسوف توماس ناجل

 

مراجعة كتاب

العقل والكون : لماذا التصور الدارويني المادي للطبيعة زائف تمامًا تقريبًا ؟

للفيلسوف توماس ناجل

تقديم : رضا زيدان

مؤلف وكاتب

 

يقدم الفيلسوف توماس ناجل في كتابه (العقل والكون: لماذا التصور الدارويني المادي للطبيعة زائف تمامًا تقريبًا؟) الصدار في عام 2012م : انتقادات مركزية لمعظم أشكال المادية المعاصرة نابعة من رفضه لفكرة أن البيولوجيا التطورية قادرة على تفسير وجود العقل والوعي، ثم يقترح أن العقل وجه أساسي من أوجه الطبيعة، ولا بد من اعتباره في أي تفسير مقنع للعالَم.

يستعرض ناجل مشكلة الوعي بالتفصيل، حيث يبدأ بتاريخ موجز لكيفية التعامل مع مشكلة العقل والجسد أو الحالات العقلية والحالات الجسدية من قِبل الديكارتيين (القائلين بأن العقل والجسد من عنصرين مختلفين جوهريا) والماديين (الذين يختزلون العقل في الجسد، فكل حالة عقلية هي حالة جسدية لا أكثر). وكما اقترح ناجل أن العلوم الفيزيائية أو العلوم الطبيعية لن تمكننا من فهم الجوانب المركزية للوعي التي هي ذاتية غير قابلة للاختزال، يقترح أيضا أن فشل الاختزالية في فلسفة العقل له آثار تتجاوز حدود مشكلة العقل والجسد. فهذا يعني فشل الاختزالية التي هي جزء أساسي من البرنامج الطبيعاني لرؤية العالَم، أضف إلى ذلك «أن هناك مبررات تجريبية مستقلة للشك في صدق الاختزالية في البيولوجيا». ويوضح ناجل أن البرنامج الطبيعاني ميتافيزيقي. وينتقد ناجل علم النفس التطوري وكذلك المذهب السلوكي لاختزالهما الوعي في أسبابه الفيزيائية والسلوك الناشئ عنه، ويؤكد على أن ظهور الوعي يتطلب تفسيرًا، كجزء من مشروع أكبر يجعل العالم له معنى. لكن ما نوع هذا التفسير؟ يقول ناجل: «أعتقد أنه لا يمكن أن يكون تفسيرًا فيزيائيًا محضًا». ثم يوضح أسباب ذلك، ويوضح سبب رفضه لفكرة أن يكون الوعي نتاجًا ثانويًا للتطور.

ثم يناقش ناجل مشكلة القيمة، وهي مشكلة تتجاوز في نظره مشكلة الوعي والمعرفة بشكل عام، لأن مشكلة القيمة أو الأخلاق لها علاقة بالمجال العملي. من الواضح أن وجود القيمة في استجاباتنا تعتمد على الوعي والمعرفة، فجزء كبير من تكويننا الأخلاقي قائم على صلاحيتنا المعرفية. ويقترح ناجل أنه إذا كانت حقيقة الوعي تمثل مشكلة للتفسير الطبيعاني للعالَم، أو على حد قوله: «لا يمكن أن تتصالح بشكل معقول مع الطبيعانية العلمية التقليدية» فكذلك مشكلة القيمة تمثل عقبة أخرى أمام الطبيعانية العلمية. وإذا كانت الطبيعانية حاولت بشكل أو بآخر دون نتيجة أن تجعل الوعي والمعرفة الإنسانية جزءًا من العالم الطبيعي فإن القيمة ليس بالإمكان التعامل معها على هذا النحو، لأنها تتعلق بـ «ما ينبغي أن يكون (لا) ما هو كائن» . ويستعرض ناجل المذهب الذاتي في الأخلاق الذي يرد الأخلاق إلى أحكام ذوقية ذاتية تختلف من شخص لآخر، والمذهب الواقعي، الذي يقر بوجود حقائق أخلاقية، وأن تفسير تلك الحقائق الأخلاقية يكون بالاستناد إلى حقيقة أعم أو أشد جذرية. ويبين ناجل لم الواقعية الأخلاقية غير متوافقة مع الداروينية.

تعقيب أخير: يؤكد ناجل (باعتباره ملحدًا) أن أطروحته ليست دينية، وأنها بعيدة تمامًا عن أطروحات التصميم الذكي، لكن هذا أمر لا يعنينا، لأن الجزء السلبي في هذا الكتاب (النافي لمناسبة التفسير الدارويني للعقل والحياة) أهم بكثير كيفًا وكمًا من الجزء الإيجابي (الذي يقترح أن للطبيعة وجه غائي في بنيتها الجوهرية لاديني، حيث يريد ناجل أن تكون الطبيعة مادية غائية!) إذ لا يتجاوز الجزء الإيجابي صفحات معدودة ولم يحدث نقاشًا فكريًا كما أحدث الجزء النقدي (وكثيرًا ما تتقارب وجهات نظر أنصار التصميم الذكي مع نقد ناجل)، وفي الأخير هو اختيار شخصي كما أقر ناجل.